شومان: في العيد ابقوا ببيوتكم وأغلقوا أبوابكم.. لا تجعلوا كورونا عيديتكم

الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق
الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق

قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، إنه في هذا الوقت الذي تتصاعد فيه الأخبار معلنة ارتفاع حالات الإصابة والوفيات بين الكبار والصغار، وتؤكد عدالة الفيروس اللعين؛ حيث لا يفرق بين الوزراء والخفراء، ولا بين الأغنياء والفقراء، ولا المدن والقرى، وحتى الأطفال بعد التأكيدات على أنهم خارج دائرة استهدافه أصبحوا من ضحاياه.

وأضاف أن كبريات الدول عجزها عن صناعة مصل يقي من الإصابة، أو الوصول إلى علاج ينقذ المصاب، مع أنها غزت الفضاء، واكتشفت قاع المحيطات وطبقات الأرض، واختزلت المسافات بالتقنيات، وعاشت مع الناس في غرف نومهم من خلال موبايلاتهم حتى لو كانت مغلقة!

واستكمل «شومان» في تصريحه لـ«بوابة أخبار اليوم » أنه وبعد كل هذا نرى عجبا عجابا في سلوكيات الناس؛ حيث يسيرون عكس الاتجاه، ففي الوقت الذي تتفاقم فيه الأزمة، وتصل إلى مراحل الذروة ويعلن غير المسلمين قبل المسلمين بأنها {ليس لها من دون الله كاشفة}، ويتفق الجميع على أن التوجيه الذي لا يحتمل الرَّد ولا التكذيب من بين كم هائل من الأخبار يناقض بعضها بعضا هو: البقاء في البيوت وتطبيق التباعد الاجتماعي، والعناية بالنظافة، ورفع المناعة بالتعرض لأشعة الشمس صباحا ومساءً، والاهتمام بالغذاء الصحي.

وأشار إلى أنه بعد كل هذا ترى الناس وكأنهم يحتفلون بزوال الأزمة وانتهاء الفيروس من دنياهم، فاكتظاظ حركة السير في شوارعنا كما هو معتاد قبل مداهمة العالم من قبل هذا الكورونا، وصور التكدس في وسائل المواصلات، بخاصة مترو الأنفاق التي يتداولها النشطاء مرعبة بمعني الكلمة، والتحايل على ساعات الحظر، واستغلال تعاطف رجال الأمن مع أحوال الناس جعل أصوات السيارات ليلا كأننا في ليال رمضانية عادية.

وتابع: « نظرة سريعة إلى الشوارع التجارية، وبخاصة التي تبيع الملابس، تكاد تفقد اللبيب عقله، وقد حدثني بعض الشباب ممن يعملون بالأزهر أنهم يسلكون شارع الموسكي في طريق ذهابهم وإيابهم لعملهم قائلين: يكفيك أن تترك نفسك فور دخولك الشارع للموجات البشرية؛ لتصل إلى نهاية الشارع دون تكلف مشقة السير الإرادي، وقطعا هؤلاء تكدسوا في هذا الشارع وغيره؛ لشراء ملابس وحاجات العيد لأولادهم بجنيهات قليلة اقتطعوها من إطعام أولادهم، وربما من نفقات علاجهم من أمراض مزمنة لازمتهم قبل كورونا المنتظرة إرضاء لأولادهم».

 وأضاف الدكتور شومان: «لنتخيل لو وجد بين هذا الكم من البشر مصاب واحد عدد البشر الذين يمكن أن يصابوا بالفيروس، وعدد من يمكن أن ينقل الفيروس إليهم مع ملابس العيد التي خرجوا لها».

وقال: «قبل أيام توفي بالفعل أحد أبناء قريتي في صعيد مصر؛ وقد كان يعمل هذا الشارع قبل سفره إلى بلده لعيد لم يشهده، وإذا تجولت قليلا في الفضاء الإلكتروني وبخاصة مواقع التواصل رأيت الجميع  تحولوا إلى خبراء، يطالبون متخذي القرار بفرض الحظر الشامل ليلا ونهارا، وكأن الناس فرغوا من تنفيذ كافة تعليمات الوقاية والتزموا بساعات الحظر الليلية ورأوا أن بإمكانهم الالتزام بالمزيد!».

واستكمل: «وكأن أحدا منع الناس من البقاء في بيوتهم ليلا ونهارا، وكأن هذا غير ممكن من غير قرار يصدر عن جهات الاختصاص، وكأننا خلقنا من دون عقول تميّز بين النافع والضار؛ وتستطيع إصدار قراراتها الذاتية التي تحقق المصلحة وتدفع المضرة دون انتظار لقرارات حكوميّة!».

ووجه رسالة للناس: «أيها السادة  لقد كرمنا الله – عزو جل – بنعمة العقل، وتعطيل هذه النعمة واتباع الهوى، وتغليب عادات بالية على هدي الشرائع جناية على هذه النعمة، فلا ضرر ولا ضرار، والضرورات تبيح المحظورات، والمشقة تجلب التيسير، ودفع المضار مقدم على جلب المنافع، وغير ذلك من القواعد المستنبطة من نصوص قطعية من الكتاب والسنة، سوّغت تعليق الجمع والجماعات، والطواف حول الكعبة، والصلاة في الروضة المشرفة، وربما تعليق حج بيت الله الحرام هذا العام، فهل تُعطل هذه القواعد لشراء ملابس العيد، وحمل الكعك والبسكوت من وإلى أفران التسويّة، غير معتبرين بالشارع الخلفي منها المغلق بسبب كورونا، أو  بمستشفى للعزل على مرمى حجر من البيت أو فرن التسوية، وبه جمهرة من المصابين قد نعرف بعضهم ينتظرون مصيرهم  إما إلى بيوتهم وإما إلى قبورهم؟!».

وأضاف: «أيها السادة عيدكم هذا العام يجب أن يكون عيدا مختلفا عن أعيادنا السابقة، فإذا كانت أعيادنا السابقة كنا نحثكم من خلال توجيهات شرعنا بالخروج إلى الساحات أو المساجد لصلاة العيد رجالا ونساء وأطفالا، والانصراف منها لتهنئة الناس في بيوتهم ومجالسهم، وفتح بيوتكم لاستقبال المهنئين وإكرامهم، فإننا ومن خلال الشرع أيضا ندعوكم هذا العيد للبقاء في بيوتكم وإغلاق أبوابكم عليكم وعلى أولادكم، والاكتفاء بإلقاء السلام دون مصافحة أو تقبيل لمن جاوركم أو لقيكم إن أنتم خرجتم في طرقاتكم، والاتصال الهاتفي أو الإلكتروني لتقديم التهنئة لمن بعد عنكم، أو الاكتفاء بالدعاء له إن تعذر الاتصال».

وأكد: «استقبال المهنئين في يوم عيدكم هذا العام، أو ذهابكم لتهنئتهم هو بمثابة استبدال العيدية التقليدية النقدية بعيدية غير مرئية محتملة يحملها الزائر المهنئ لكم، أو تهدونها إليه دون قصد منكم، وهي هذا الفيروس اللعين، الذي قد يتسلل إلى الزائرين أو المزورين دون علم من أحدهم، وساعاتها لا تعلم من الذي قدم هذه العيدية اللعينة إلى الآخرين ،الذين ينقلونها إلى جماعات يصعب حصرها».

ونبه: «أيها السادة يوم عيدكم هذا العام يجب وجوبا شرعيّا أن يكون يوما عاديا كيوم الجمعة الذي تاه بين أيام أسبوعنا، بعد أن كنا نفصل به بين نهاية أسبوع وبداية آخر، فإن فعلتم ذلك فأصابكم المرض فلا إثم عليكم فقدر الله نافذ ولاراد له وقد أخذتم بالأسباب، وإن تركتم الاحتياط وفرطتم، فقد تواكلتم، فإن أصابكم شيء فلا براءة لكم، بل ستحاسبون بين يدي الله على تفريطكم، وأتمنى أن يعتبر الناس عيد فطرهم قد فرض فيه الحظر الشامل ليلا ونهارا بقرار ذاتي إكمالا لساعات الحظر الحكومي».

 

وناشد الجميع: «دعكم من الانشغال بأمور ليست من الفرائض ولا الواجبات، فلا مجال للبس عيد، ولا لمعايدة في ظل هذه الجائحة، واجتهدوا في الدعاء في هذه الأيام المباركة ليرفع الله البلاء، ويشفى المرضى بالفيروس وغيره، ويرحم من انتقلوا إلى رحابه».

وتابع: « صلوا عيدكم في بيوتكم مع أهلكم، فهي جائزة من دون خطبة وبأي عدد حتى لو صلها فرد واحد منفردا، وكيفيتها ككيفية صلاتها في جماعة في المسجد بسبع تكبيرات في الأولى وخمس في الثانية  قبل القراءة في الركعتين على رأي الجمهور، وتجوز بثلاث تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، ومثلها بعد الانتهاء من القراءة وقبل الركوع في الركعة الثانية على مذهب الحنفيّة، ومن صلاها ركعتين كصلاة الصبح من دون تكبيرات لعدم علمه بكفيتها فصلاته صحيحة، فالتكبيرات سنة مؤكدة وليست ركنا من أركان الصلاة وكذا الخُطبة، وعلى ذلك فبإمكان الجميع تأديتها في بيوتهم. حفظكم الله وإيانا، وحفظ مصرنا وبلاد المسلمين، وجعله العيد الأول والأخير الذي يخالف أعيادنا، وكل عام وأنتم في خير».