يوميات الأخبار

مهلا أيها الموت.. لم أستعد بعد !

صالح الصالحى
صالح الصالحى

مهلا أيها الموت.. فالألم خلق نفسا ترحم وتتراحم مع نفوس غيرها.. نفوس احتفظت بنور مشاعرها الذى يضىء لها حياتها.

هل يستطيع الإنسان أن يخاطب الموت ويطلب منه إمهاله بعض الوقت حتى يستعد لحياته الآخرة.. ليحيا فيها بدون تعذيب أو حتى ليدخل الجنة.. حياة الخالدين؟!
وإذا كان بمقدور الإنسان أن يطلب بعض الوقت من الموت.. فإنه يعلم حتمية الموت.. وانه طالما كانت هناك حياة فإنه بالفعل هناك موت.
لكن هذه أمانى الإنسان يتصور أن بمقدوره أن يطلب وقتا إضافيا ليتوب ويتصدق ويكثر من أعمال الخير.. ويظل الموت واقفا على بابه ينتظر أن يأذن له بالدخول.
الموت يا عزيزى لا يستأذن.. عندما يأتى ليأخذ الروح التى ملك لبارئها.. ولكن لا مانع من أن يكون هناك علامات تشير لوجوده، ليس لأنه قريب منك لاصابتك بمرض خطير أو وباء يجتاح العالم كما هو الحال الآن.. بل هو موجود موجود بعلامات أو بغيرها.. حتى انه يأخذ الصحيح قبل المريض.. لأن ساعته حانت.. فينفذ أمر الله سبحانه وتعالى.
انها أمانى الإنسان الذى يعمل لآخرته كأنه يموت غدا القريب أو القريب جدا.. فيطلب الوقت ليتطهر وينقى الثوب من الدنس.. ولماذا نتحدث دائما عن الموت ونهتم بوصايانا ومدافننا وأكفاننا؟.. أهى عادة الفراعنة التى ورثناها أم هى فطرة بشرية..
الكل يخاف الموت ويهابه ويرتعب حينما يعلم بقرب ساعته أو ساعة من يحب لأنه الفراق المؤلم الذى يلتحم بنفوسنا ومشاعرنا.. مشاهد الفراق قاسية حتى ولو كانت مشاهد تمثيلية لأنها حقيقة اليوم أو غدا، أنت أو غيرك.. حديث لا ينتهى.
فى زمن الكورونا الذى نعيش فيه تناسينا باقى الأمراض الفتاكة مثل السرطان وكافة الأوبئة الأخرى التى لا تقل شراسة عن كوفيد ١٩.. ولكنه حديث الساعة الذى طال أمده.. ولا أحد يستطيع أن يعرف إلى أين مداه.. ولكننا نحن المصريين مختلفون فى كل شىء.. نحول الكورونا إلى نكتة وأغنية ودعابة فى كل أحاديثنا حتى فى الشوارع.
حينما نتابع وسائل الإعلام نشعر بهول الكارثة.. أرقام عن إصابات وأخرى عن وفيات. وبلاد تفشى فيها الوباء وكأنه طوفان سيدنا نوح.. وحينما تخرج إلى الشارع المصرى لا تصدق أبدا حجم الاحتكاك والالتحام بين المصريين منذ الصباح الباكر وحتى بعد بداية ساعات الحظر.. الناس موجودة بكثرة فى الشوارع.. السيارات مزدحمة ومكتظة بالراكبين والمحلات مفتوحة وتزدحم بالزبائن.. الكل يحيا وكأنه لا يوجد كورونا.. وكأنه فيلم يذاع على شاشات التليفزيون فقط.
حتى فى مصافحات الناس فى الشارع يقول الشخص للآخر أين أنت.. يرد انت عارف «الكورونا».. ولا أنكر بعض المشاهدات البسيطة لبعض الأفراد الذين يرتدون الكمامات ولكنها بسيطة جدا.
وعندما تتساءل عن سر هذا الزحام يقولون يا أخى رمضان دائما هكذا.. عنوانه الزحام.. حتى فى الأيام التى تتميز بالسيولة المرورية.. أيام الإجازات الأسبوعية أصبحت أيضا مزدحمة لا الحظر نافع ولا شافع ولا أى إجراء ينفع مع المصريين.. وأنا أعلم جيدا أن لسان حال الحكومة ماذا نفعل بعد إيقاف الحياة. فالناس فى الشوارع بالملايين.. والدليل على ذلك ملايين الراكبين لوسائل المواصلات العامة وعلى رأسها مترو الأنفاق.
تعود الحكومة وتقول أراهن على وعى المصريين.. وتخشى أن يكون رهانا خاسرا.. فتعود مرة أخرى وتقول إذا ما تعايشنا فى القريب العاجل مع الوباء سيكون هناك إجراءات صارمة لمن لا يرتدى الكمامة والقفاز.. وتعود وتقول كيف يتم ذلك مع شعب تخطى تعداده الـ١٠٠ مليون نسمة.
ضجيج وضجيج.. الناس تقول انها فى سجن ما بعد التاسعة مساء.. أين المقاهى والنوادى والشواطئ.. وأين التسكع فى الشوارع لساعات النهار الأولى.
والحكومة تؤكد امتحانات الثانوية العامة والدبلومات فى موعدها.. ومستعدون.. ولا إلغاء للعام الدراسى الجديد.. وأى كلام غير كده كلام فارغ.. والمعاشات على مدار عدة أيام منعا للتزاحم.. والمرتبات فى موعدها والسلع متوافرة وإعانات العمالة غير المنتظمة متوافرة.. وأكثر من كده مش هاقدر.. والأطباء يطالبون بالحظر الكامل لعدم طاقتهم على التحمل أكثر من ذلك.
وما بين الحظر الكامل وعودة الحياة لطبيعتها بالتعايش مع الوباء، فارق كبير بالنسبة للناس ولكن القاسم المشترك هو وجود الوباء واستمراره.. والنتيجة الوحيدة هى العمل على عدم تفشيه بصورة أكبر من ذلك.. وأتصور أنه سيكون هناك حظر كامل فى إجازة عيد الفطر يعقبه استئناف للحياة بالتعايش مع الوباء وأمرنا لله.

إنهم يرقصون على الحبال
على الرغم من أن الرقص فن جميل.. كلما ارتقى لحنه ارتقت معه حركاته ليسمو ويسمو وترتاح معه النفس لتخرج ما بداخلها من مكنون الطاقة والعنف لتستريح بعدها.. وكلما كان اللحن صاخبا ومزعجا ظهرت كما لو أنك مجنون تنفعل لمجرد الانفعال ليصل أحيانا لحد الهستيريا.
إذن الرقص وسيلة جيدة لتنقية وترقية النفوس بشرط تناغم الإيقاع والاعتدال فى الحركات.. بعيدا عن تحريك الغرائز والشهوات.. ولكن إذا كان الرقص متعة وفنا ترتاح له النفوس السليمة الجيدة.. فإنه يوجد أيضا من يستغلون هذا الفن لتحقيق مآربهم وأهدافهم وطموحاتهم.. وهذا النوع من الرقص لا يصلح لأن يكون منفردا.. صحيح أن صاحبه على درجة عالية من الاجتهاد.. يعانى ويكافح فى طريقه لانه الطريق الأصعب والأشق.. لكن لابد وأن يكون له جمهور..
هو الرقص على الحبال.. تقول ان هذا النوع موجود فى السيرك فقط.. أجيبك أقصد سيرك الحياة.. نعم الحياة عند البعض سيرك بها مروض للوحوش وآخر ساحر يبهرك وأنت تعلم جيدا أنه يخدعك، لأنك تعجب به لانه استطاع أن يخدعك بل تصفق له وتصفه بالساحر المبدع، وآخر يرقص فى الهواء وآخر فى أكروبات أصحابها يمتلكون من اللياقة البدنية والصحة العالية ما يجعلهم يقومون بحركات لينة وصعبة.. تظن وأنت تشاهدهم أن أجسامهم بلا عظام.. والا أين هى.
ويأتى لك بطل هذا المقال وهو الراقص على الحبال.. الذى يستطيع أن يرقص عليها وهى معلقة فى الهواء.. ويرتفع وينخفض.. وإذا انفلت وأوشك على السقوط تجد نفسك تفزع وتشجعه للاستمرار حتى لا يقع.. مبهر.. أبهرك بقدراته الفائقة.. فهو يخاطر ويخاطر من أجل اسعادك.. وفى حياتنا صاحب هذه المهارة لا يكتفى بحبل واحد بل يرقص على حبال عدة بعضها متتال وأخرى متشابكة متنوعة ملتفة يجيد التنقل من الواحد إلى الآخر. يشغلك بحركاته لكنه يعلم نهاية كل حبل.. مجتهد فعلا. قد يكون الحبل عندك أو عند غيرك لا يهم.. المهم ان يصل لمآربه وأهدافه.. صاحب هذا الأمر يملك القدرة العضلية لا العقلية.. يكفيه فقط التركيز..
الحبال موجودة فى كل وقت وعصر.. يرقص ويمشى عليها فكل الحبال أصحابه مقربون منه.. يصادقهم لا يقطع الأمل معهم لأنهم أصحاب المصلحة الذين يفتخر بهم دائما لأنهم يمنحونه القيمة والأهمية.. وهم يحتاجونه أيضا لأنهم يحتاجون للترفيه والمتعة براقص يمتعهم ويمنحهم ما يريدون سماعه وترتاح آذانهم لأنشودته وأعينهم لتمايله.. الكل مستفيد من الكل.. الساحة امتلأت حبالا ولكن الحبال تهلك وتنقطع ولا يسقط الراقص لأنه يأتى بحبال جديدة لأصحاب جدد تجمعهم نفس الهواية والحرفة.. ويستمر الرقص على الحبال ويستمر سيرك الحياة.

الألم
لماذا نحتاج للألم كما نحتاج للسعادة؟. لأن نفوسنا مختلفة، خلقها الله سبحانه وتعالى تتقلب.. تختلف.. تفرح.. تشقى.. تضحك.. تبكى.. تتألم.
إذا خيرت الإنسان ما بين الألم والسعادة.. تجده يختار السعادة فى كل شىء يحبه ويسعى لامتلاكه ويطلب ويطلب حتى يشبع.. ثم يزهد فيما يملك.. ويشعر بالملل.. وتقول له أليست هذه السعادة التى طالما حلمت بها وتمنيتها لماذا الملل الآن؟.. يعود ويطلب غيرها وغيرها ليظل فى سعادة دائمة.
وإذا فرض عليه الألم.. لا يختاره أبدا.. وهو محق فلا يوجد إنسان يختار الألم إلا إذا كان مريضا نفسيا يستعذب الألم ويستمتع به.
وأتحدث هنا عن الألم المفروض على الإنسان الذى لا يكون له خيار فى طلبه.. ابتلاه الله به فى الدنيا.. وعليه الصبر فى مواجهته.. الألم هنا قد يكون منحة من الله سبحانه وتعالى.. ليغير وجه هذا الإنسان.. وأتصور أن من رحم الألم تولد إبداعات كثيرة..

ومن قلب الآهات تولد ألحان عديدة
كم من قصائد شعرية خرجت من شعراء لوعهم الحب وألم الفراق فكتبوا لنا كلمات خالدة.. لامست قلوبنا وكثيرا ما لامست قلوبا مماثلة فتوحدت المشاعر وانفعلت بها وارتاحت إليها.. وكم من إلحان خرجت لنا استمتعنا بها لأنها وجدت لدينا الصدى والشجن.. قد لا يكون لدينا القدرة على صياغة أعمال كهذه لكننا أصبحنا بمعاناتنا نفهمها ونحسها ونستوعبها بل أصبحت نفوسنا تطلبها لترتاح إليها.

كثير من أحزاننا ما أصابتنا بالصدمة وبعدها خرجنا أفضل حالا وأحسن إحساسا وشعورا من قبلها.. فمن ذاق الجوع يرحم الجائع.. ومن تألم من المرض يرحم غيره المريض وهكذا تجد نفسك فى طريق حياتك.. إذا اخترت لنفسك دائما ما تختار الأسهل ولا يمكن أن تختار الأصعب.. وإذا فرض عليك واقع فدائما ما يكون هو الأصعب والأشق.. وإذا رضيت به واستوعبته قد يكون الأفضل لك.. فقد تخرج منه مهذب النفس.. صاحب نفس عالية سامية.. رضيت ثم خرجت ترحم وتتراحم مع نفوس غيرها فقط لأنها احتفظت بنور مشاعرها الذى يضىء لها ما تبقى من حياتها.. أفضل من أن يطفئ الألم فيها نور الأمل.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي