حكايات| الفول وجبة الغفير والوزير.. سر عدم انقراض المصريين منذ الفراعنة

الفول
الفول


ليس خفيا على أحد أن الفول هو الطبق المصري الرسمي والشعبي الأول عند الشعب المصري، ومثلما تتغلغل جذور هذا النبات في الأرض المصرية، فطبقه منذ فجر تاريخ المحروسة، هو أحد ركائز ثقافة الغذاء المصرية، ويمكنك معرفة تفاصيل تطوره في السطور التالية.

 دراسة أثرية للدكتور محمود المحمدي عبدالهادي، خبير الغرشاد السياحي، تؤكد أن المصريين القدماء عرفوا الفول منذ الأسرة الأولى.
 
ويشير «المحمدي» إلى أن العثور على الفول في المقابر المصرية القديمة حيث كانوا يقومون بوضعه بجوار المتوفي ضمن الأطعمة التي سوف يتناولها في الحياة الأخرى ووجد الفول فى مقابر الأسرة الثانية عشر وأيضا فى مقابر مدينة طيبة (الأقصر حاليًا) وعثر أيضا على بذور الفول في مقابر سقارة بالجيزة وكوم أوشيم بمحافظة الفيوم، وبعضه معروض الآن بالمتحف الزراعي.
 
حقول منف

يقول د. حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، إن الفول كان أحد الأطعمة المهمة في مصر الفرعونية، إذ يعد من أهم البقول التي عرفها قدماء المصريين منذ بداية التاريخ الفرعوني، حيث كان يتم زراعة الفول قرب العاصمة المصرية القديمة الشهيرة منف وغيرها من أجزاء الأرض المصرية العريقة.
 
كما أن المصري القديم نحت رسومات على جدران المقابر عن الحاصلات الزراعية التي كان يتم تقديمها للآلهة المصرية القديمة ومنها زكائب الفول المصري القديم، وعُثر على بقايا بذور الفول المصري القديم في بعض مقابر الفراعنة في طيبة وسقارة والفيوم وغيرها.

ويوضح خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن الفول ظهر فى مناظر جدران المقابر وذلك بمقبرة الوزير (رخميرع) وزير الملك تحتمس الثالث حيث يجسد المنظر عمليه تسليم محصول الفول إلى المعابد لكي يتم تخزينه.


ويضيف: «ورد ذكر الفول في البرديات الطبيبة باسم (اوريت)  و( اور) و( اورى) و( فور ) ولعل اسمه مشتق من كلمة (فور) بعد ان تحول حرف (الرا) الى حرف (لام) لكي يصبح اسمه فول وهو الإسم المدرج والمعروف به الآن».

ويتابع الدكتور ريحان بأن الفول المدمس هو طعام مصري شعبى لدى المصريين ويعرف فى العالم كله باسم الفول المدمس المصري، وكلمة المدمس تشير إلى الطريقة التي ينضج بها الفول وهي دفنه في الوقود والرماد فالفول المدمس معناه الفول (المدفون) وكلمة (مدمس) ليست كلمة عربية فإن أصل كلمة المدمس هي (دمس) والتي تعني في اللغة القبطية فعل (تمس) أو (ثمس) أو (تامس)، بلهجاتها الصعيدية والبحيرية والفيومية وجدير بالملاحظة أن (السين) بقيت في الكلمة بجميع لهجاتها، بينما انقلب الحرف الأول منها وهو ( الثاء) في اللهجة البحيرية وإلى (تاء) في اللهجة الصعيدية  ولازالت تستخدم في جنوب مصر تلك الكلمة، وهو ما نلاحظه في لغة العامة حتى اليوم فيقولون مثلا (كرا ) بدلا من (كراث) لما بين الحرفين من علاقة صوتي.


وايكمل: «الكلمة القبطية (تمس) بضم التاء بمعنی (يدفن) ذات أصل مصري فهي بالمصرية القديمة - سماتا، أي (يتحد بالأرض) تعبيرًا عن الدفن.

فول «أوبن بوفيه»
وبحسب الخبير الآثري مجديشاكر، يعتبر قدماء المصريين هم أول من عرفوا ما يعرف بنظام «البوفيه المفتوح»، وأن أول مرة تظهر فيها تلك الخدمة، ورسمت على جدران المقابر والمعابد للملوك والملكات ونبلاء الفراعنة، كما توجد النقوش والرسومات واللوحات الفرعونية، والتي تؤكد أن قدماء المصريين قد برعوا في كل شيء حتى الفول يعد من أهم البقول التي عرفها قدماء المصريين منذ عصر الأسرات الأولى،كما طبخوا الفول بطرق عديدة كالمدمس والبصارة والطعمية.

وعُثر على بذوره في أحد قبور الأسرة الثانية عشر، وفى طيبة من عصر الدولة الحديثة عصر على بذور الفول فى قبور بسقارة وكوم أوشيم من العصر اليوناني الروماني، وهي محفوظة في المتحف الزراعي بالدقي.

تغيرت مصر على مدار آلاف السنين، ودخلتها أطعمة من الشرق والغرب، لكن الفول بقى في القدر مدمسا وجاهزا لتعزيز معدة المصريين في الصباح والمساء.