ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: التحـرير الثاني

ياسر رزق
ياسر رزق

«290 مليون جنيه يوميًا متوسط إنفاق جمهورية السيسي على مشروعات تنمية سيناء، بجانب نفقات أخرى هائلة في معركة دحر الإرهاب»

في 6 سنوات، أنفقت جمهورية السيسي 600 مليار جنيه، على مشروعات تطوير سيناء.

كل كيلومتر مربع من أرض سيناء إذن، أنفق عليه نظام 30 يونيو 10 ملايين جنيه.

وكل مواطن من أبناء سيناء صار نصيبه مليون جنيه من قيمة تلك المشروعات.

600 ألف مليون جنيه جرى صرفها في 70 شهراً من أجل تنمية 6% من مساحة مصر، هى أرض سينين، أو أرض القمر، أو سيناء الحبيبة.

مبلغ هائل، في فترة وجيزة..!

إذا كان مجد السيسي كبطل شعبي، هو تلبية نداء الشعب في ثورة 30 يونيو، والانحياز لإرادة الجماهير بإصدار بيان 3 يوليو، فإن مجد السيسي الرئيس هو ذلك الإنجاز المهول في شبه جزيرة سيناء، من تنمية شاملة، بشرية وعمرانية واقتصادية، ومن عملية استنقاذ بطولية لهذه البقعة الغالية من أرض مصر التي  كان يراد لها مصير آخر..!

هذا هو التحرير الثاني لسيناء.

تحرير من العزلة والتخلف والإرهاب، بعد التحرير الأول لها الذي احتفلنا أمس بعيده الثامن والثلاثين.

< < <

ذلك اليوم، الخامس والعشرون من إبريل 1982 مازلت أذكر وقائعه جيدا، وكأنها حدثت بالأمس، حينما شاهدت على شاشة التليفزيون ككل المصريين، اللواء يوسف صبري أبو طالب محافظ شمال سيناء  - حينذاك - يرفع علم مصر فوق رفح، واللواء فؤاد عزيز غالي محافظ جنوب سيناء يرفع علم مصر فوق شرم الشيخ، إيذانا برحيل آخر جندي إسرائيلي من على أرض سيناء.

والرجلان كانا من رموز العسكرية المصرية في حرب أكتوبر التي أذلت العدو الإسرائيلي وحطمت غروره وأرغمت أنفه على رمال سيناء.

ولقد أسعدني الحظ أن عشت، ورأيت رأي العين، كصحفي أتشرف بالانتماء لهذه الجريدة، كل الأيام المجيدة التي مرت على سيناء خلال السنوات الماضية.

أذكر يوم حضرت استلام قواتنا المسلحة مدينة طابا التي تحررت بعد مفاوضات دامت أكثر من 6 سنوات، وكان ذلك في 16 مارس 1989، حينما قام العميد أركان حرب شوكت طلعت نائب رئيس جهاز الاتصال العسكري برفع علم مصر عند نقطة العلامة الحدودية رقم (91).

وأذكر بعدها بثلاثة أيام، حين شاهدت الرئيس الراحل حسني مبارك يرفع العلم المصري في قلب طابا في احتفال رسمي مهيب.

< < <

أذكر يوم السادس من أغسطس 2014، حينما أعطى الرئيس عبدالفتاح السيسي إشارة البدء في مشروع ازدواج قناة السويس، بعد 61 يوما فقط من تسلمه منصب الرئيس، ودخوله قصر الاتحادية.

أذكر بعدها بعام يوم افتتاح القناة الجديدة، ثم أيام تدشين وافتتاح المشروعات العمرانية والصناعية والزراعية والسمكية وأنفاق الإسماعيلية وبورسعيد عبر قناتي السويس.

وها هو الرئيس يشهد يوم الأربعاء، إنجازا جديداً هو الانتهاء من شق النفق الخامس الذي يجري إنجازه في عهده والنفق السادس بين سيناء والوادي عبر قناة السويس، وهو نفق (الشهيد أحمد حمدي - ٢)، ومعه يفتتح محطة معالجة مياه مصرف المحسمة العملاق لري مئات الآلاف من الأفدنة على أرض سيناء.

< < <

مفاجأة سارة، عاشها المصريون في ذلك اليوم، وهم يشاهدون نتاج عمل وعرق وعزم الرجال، الذي لا يقمعه حظر ولا توقفه مخاوف..!

غير أن هناك مناسبتين لا تغيبان عن وجداني، بشأن سيناء خلال السنوات الماضية.

الأولى.. حينما سمعت من اللواء أركان حرب عبدالفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية في مكالمة هاتفية خلال أحد أيام ربيع عام 2011، تفاصيل ما جرى في ليلة 28/29 يناير من ذلك العام، بتخطيط ودراسة وترجيح منه، لمنع سقوط شمال سيناء تحت احتلال ميليشيات الإرهاب. وعرفت منه كيف تدفقت القوات الميكانيكية والمدرعة في (لا وقت) لفرض السيطرة والسيادة المصرية على المنطقة (ج) شمال سيناء.

 أما الثانية.. فكانت منذ 25 شهراً بالضبط، حينما زار الرئيس السيسي قاعدة المليز الجوية وهو يرتدي الزي الميداني للقائد الأعلى للقوات المسلحة (أوفرول المشير) وزار معها المطار المدني الجديد الذي كان يجري تدشينه على مقربة من القاعدة.

أروع ما شاهدته وزملائي في تلك الزيارة، هو وجود أحدث المقاتلات متعددة المهام طراز (اف - ١٦) من بلوك 52 المتطور داخل هناجر القاعدة، وتحليقها في سماء المنطقة، وكانت تلك أول مرة تدخل فيها مقاتلات (ثابتة الأجنحة) إلى هذه البقعة من سيناء جنوب غرب العريش منذ يوم 4 يونيو 1967.

ذلك الإنجاز في رأيي لا يقل عظمة، عن إنجازات البناء والتشييد والعمران ومد بساط الخير الأخضر على أرض سيناء.

ولا يقل أيضا عن إنجاز هزيمة ميليشيات الإرهاب المدعومة إقليمياً (على الأقل) بالمال والسلاح والعناصر المسلحة على أرض شمال سيناء، ومحاصرة ما تبقى منها في أوكارها المعزولة حيث مقتلها القريب العاجل بإذن الله على أيدي الصناديد البواسل.

< < <

بصراحة، لم أكن أتخيل، ولا غيري من الزملاء الصحفيين والإعلاميين، ولا كثير من المسئولين، حجم الإنفاق الهائل على مشروعات التنمية على أرض سيناء البالغ 600 مليار جنيه خلال 70 شهراً فقط، ولم نعرف به على وجه الدقة إلا حينما سمعنا الرقم من الرئيس السيسي.

ذلك أن كل مسئول عن قطاع معين، كان يقصر حديثه عن سيناء، على المشروعات التي تولتها الجهة التي يترأسها والاعتمادات المالية التي أنفقتها عليها، دون أن يتناول المشروعات في مجملها في هذا القطاع.

لذا وجدنا الرئيس يطالب المسئولين حينما يتحدثون عن مشروعات التنمية بشكل عام، بأن يشيروا إلى إجمالي نفقات الدولة بكل جهاتها في القطاعات التي يعملون فيها، ثم يوضحوا المبالغ التي أنفقتها جهاتهم على المشروعات التي تتولاها.

< < <

600 ألف مليون جنيه، هو بحق مبلغ هائل، يتم إنفاقه على تنمية سيناء والقفز بها إلى مكانة أخرى مختلفة، في غضون مدة تقل عن 6 سنوات.

المشروعات التي أنجزت على أرض سيناء تقدر بالآلاف، لكن هذا التقدير العددي، يضع مشروعاً هائلا عملاقاً خالداً، كازدواج قناة السويس، بجانب مشروعات أخرى صغيرة عند الحصر الرقمي.

غير أن اللجوء لحساب متوسط الإنفاق اليومي على تلك المشروعات، ربما يزيد حجم الإعجاز المهول اقترابا من الأذهان.

فقد أنفقت الدولة في عهد جمهورية السيسي حتى الآن 290 مليون جنيه يوميا على مشروعات تنمية سيناء.

بجانب نفقات أخرى هائلة تكبدتها البلاد، غير الأرواح والدماء الغالية، في معركة تطهير شمال سيناء من الإرهاب التي تعد أطول المعارك التي خاضتها البلاد في مواجهة عدو يستهدف القتل والتخريب وبث الرعب في نفوس المصريين.

< < <

لست بصدد إجراء حصر تفصيلي لمشروعات التنمية التي أنجزت على أرض سيناء في جمهورية السيسي حتى الآن، لكن ليس من الإنصاف أن أمُرُّ عليها مرور الكرام، دون أن أشير إلى أهمها وأكثرها تأثيراً على حياة المصريين وفى القلب منهم أبناء سيناء ومدن القناة.

ربما يفوت على الكثيرين، أن ثلث عدد المدن الجديدة التى يجرى إنشاؤها على أرض مصر تقع في سيناء.

على رأسها مدينة الإسماعيلية الجديدة المخطط لها أن تضم 57 ألف وحدة سكنية، والتي تقع في المكان الذي كانت تقف عليه حصون خط بارليف، قبل أن يدكها المقاتل المصري دكاً دكاً، منذ نحو 47 عاماً مضت.

كذلك مدينة «سلام مصر» شرق بورسعيد، ومدينة السويس الجديدة، ومدينة بئر العبد الجديدة، ومدينة رفح الجديدة.

هناك غير تلك المدن، تجمعات عمرانية في 11 منطقة بشمال ووسط سيناء، وتوسعات إسكانية في مدن الشمال والجنوب، وعشرات المستشفيات والوحدات الصحية والمدارس، بجانب إنشاء محطات كبرى لتحلية مياه البحر وأخرى لتحلية مياه الآبار، لخدمة المناطق الجديدة والمدن والقرى.

ولتحقيق الربط بين مناطق ومدن سيناء، تم إنشاء وتطوير عشرات الطرق بأطوال تزيد على 3 آلاف كيلو متر.

ومن أهم المشروعات، إنشاء مجمعات للصناعات الثقيلة في العريش وبئر العبد والمليز وأبو زنيمة، ومجمعات للمشروعات الصغيرة بعدد من مدن جنوب سيناء على خليجي السويس والعقبة ومن أهم المصانع الجديدة فى سيناء مجمع الأسمنت ومجمع إنتاج الرخام بوسط سيناء، وهما من أعمدة القطاع العام الجديد الذي تقيمه جمهورية السيسي.
ولا شك أن إنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس سوف يسهم في تغيير حياة أبناء القناة وسيناء وغيرهم من المصريين، بما تضمه من مشروعات واعدة للصناعات الثقيلة والمتوسطة والخدمات اللوجيستية.

في مجال الزراعة.. يجرى العمل على استزراع 400 ألف فدان، ربما تصل إلى نصف مليون فدان على المياه الآتية عبر سحارة سرابيوم، وتلك المعالجة والمنقاة من مياه الصرف الزراعي المتدفقة من مصرفي المحسمة وبحر البقر.

هناك فائدة أخرى لمعالجة مياه مصرف المحسمة، هى توقف صرف تلك المياه في بحيرة التمساح التي تشاطئها مدينة الإسماعيلية، ومن ثم عودة النقاء إلى تلك البحيرة الجميلة وتحويلها إلى مزرعة طبيعية كبرى للأسماك الصحية عالية الجودة.

شرق القنطرة فى شمال سيناء، توجد المزرعة السمكية الكبرى على مساحة 16 ألف فدان، التي توفر كميات من أجود وأفضل نوعيات الأسماك، جنبا إلى جنب مع بحيرة البردويل التي يجرى تطهيرها وتطويرها لتعود خيرا مما كانت كأهم بحيرات إنتاج الأسماك في مصر.

بجانب مطار المليز، هناك موانئ يجرى إنشاؤها كميناء شرق بورسعيد المحوري، وأخرى يجرى تطويرها كموانئ العريش والطور وشرم الشيخ.

وإذا كان مشروع ازدواج قناة السويس هو أبرز المشروعات العملاقة على أرض سيناء، وإذا كانت مشروعات الأنفاق الخمسة الجديدة هى أهم مشروعات ربط الوادي بسيناء منذ إنشاء القناة، فإن الدولة قد أنشأت عددا من الكباري العائمة لتيسير حركة السيارات والشاحنات، وقامت بتحديث كثير من المعديات التي تربط شاطئ القناة على طول مجراها لتسهيل انتقال الأفراد والمركبات.

وهناك مشروع لمد كوبري الفردان الحديدي عبر القناة الجديدة، وإعادة إنشاء الخط الحديدي الذي جرى السطو على قضبانه خلال الأحداث المواكبة لثورة 25 يناير.


< < <

هذا هو التحرير الثاني لسيناء، نراه يتحقق على يدي السيسي.

تقترب سيناء من دحر الإرهاب، بعدما ودعت التخلف التنموي، وانطلقت في رحاب التقدم والنهضة، وبعدما ودعت العزلة التي كتبت عليها منذ شق قناة السويس فى العقد السادس من القرن التاسع عشر وانطلقت تعانق الوادي بالأنفاق العملاقة وكباري العبور.

أدت الدولة واجبها.

أنشأت الموانئ والمطارات والطرق وأقامت المدن والتجمعات العمرانية ومحطات الكهرباء والمياه والصرف وغيرها من مشروعات وبنى تحتية لا يقدر عليها القطاع الخاص.

وأنشأت أيضا مصانع ومزارع ومنشآت إنتاجية واقتصادية، أعلنت استعدادها لكي يشاركها القطاع الخاص في ملكيتها وفى إدارتها.

< < <

يوم الأربعاء الماضي، سمعنا الرئيس السيسي يدعو رجال الأعمال والمستثمرين المصريين والأجانب إلى المشاركة فى تلك المشروعات الإنتاجية والخدمية التي أقيمت فعلا على أرض سيناء، بأفضل مواصفات، ووفق أحدث تكنولوجيا.

سمعنا الرئيس يقول إن هذه هى المرة الثالثة التي يوجه فيها هذه الدعوة، دون أن يلمس استجابة.

ربما كانت المرة الرابعة، إذا أضفنا إليها مرة أولى كانت في حوار للرئيس شاركت فيه مع رئيسي تحرير الأهرام والجمهورية منذ قرابة 4 سنوات.

رأيي وقد قلته كتابة وفى برامج تليفزيونية أن مجتمع الأعمال المصري في جانب كبير منه وربما في معظمه قد خذل ثورة 30 يونيو.

فلقد وجدنا عددا من رجال الأعمال كان مأمولا منهم أن يقودوا حركة الاستثمار على أرض مصر، لم يبادروا، ولم يباشروا المنتظر منهم.

بل سمعنا من بعضهم شكاوى من أن الدولة تغلق الطرق عليهم وتنافسهم في إنشاء مشروعات هى من صميم تخصص القطاع الخاص..!
الآن النوافذ التي قالوا إنها مغلقة دونهم، مفتوحة على مصرعها ومعها كل الأبواب.

أعلنها الرئيس السيسي من قبل وها هو يعلنها مجددا.

< < <

أتوقع من الحكومة أن تشكل لجنة من الجهات المختصة بالملكية العامة لمشروعات سيناء وغيرها من المشروعات المقامة في الدلتا والوادي، لوضع قواعد وشروط المساهمة ونقل الملكية وكيفية التسعير لكل مشروع أو وحدات المشروعات حسب طبيعتها وأسلوب طرحها للبيع أو المشاركة، وغير ذلك من متطلبات.

ولعلى أتوقع من منظمات الأعمال كاتحاد الصناعات وجمعيات المستثمرين أن تدعو أعضاءها إلى اجتماعات عبر الوسائط الرقمية، دون انتظار زوال فيروس كورونا المستجد، للتداول في شأن دعوة الرئيس السيسي وتلبيتها.

وأعتقد أن مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادي السنوي المقبل، الذي نتعشم أن يعقد في الخريف المقبل بإذن الله، سوف يناقش بوصفه أهم المحافل الاقتصادية في مصر، تلك القضية، ونأمل أن نكون قد قطعنا فيها خطوات.

لقد قلت إن مجتمع الأعمال في جانب كبير منه خذل ثورة 30 يونيو.

أتمنى أن يثبت رجال الصناعة والإنتاج والخدمات أنني على خطأ، وأنهم لن يخذلوا تطلعات الوطن منهم قولا أو كتابة أو عملا..!

المجد لكل من أسهم بالدماء والتضحيات والجهد من أجل أن يتحقق التحرير الأول لسيناء.

والتحية والعرفان للرجل قائد مسيرة التحرير الثاني.