وحى القلم

عالم بلا أقطاب

صالح الصالحى
صالح الصالحى

لا صوت يعلو على فيروس كورونا الذى غزا العالم بكل شراسة.. لم يرحم فى طريقه صغيرا أو كبيرا.. فكل الاحصائيات تؤكد افتراسه لكل الأعمار.. وعلى الرغم من التأكيدات أنه يفترس كبار السن وأصحاب الامراض المزمنة.. إلا أنه له ضحايا رضع وشباب دون سن الثلاثين.
بالأمس القريب كنا نتهيأ لنظام عالمى جديد.. تنحسر فيه الهيمنة الامريكية وتظهر قوى متعددة الأقطاب من الصين صاحبة الكارثة العالمية ليتبوأ اقتصادها المرتبة الأولى وحتى قدرتها العسكرية التى لم تعد بالهينة لتزاحم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا العائدة بقوة.. ولا مانع من صعود قوى أخرى مثل الهند وجنوب إفريقيا.
البترول لم يعد السلاح الوحيد فى ظل البترول الصخرى الأمريكى.. ولكن تظل منطقة الشرق الاوسط تحت سيطرة القوى الدولية ومحلاً لصراعاتها ونزاعاتها.. وسط تفوق اسرائيلى وتمزق لأوصال  الدول العربية.. ومعه تمزق لكيان  كان يعتبر ناجحا يعمل الآخرون على الحذو به أو محاربته لنجاحه وهو الاتحاد الأوروبى.
وجاء الفيروس لينتشر بفعل العولمة بسرعة رهيبة داخل البلدان من أدناها إلى أقصاها.. حتى بعد إغلاق كل الدول لحدودها.. وماذا يفعل هذا الإغلاق بعد ان دخل وسكن واستقر؟..
فيروس انهارت معه كل أقنعة القوى.. الاتحاد الأوروبى تمزق.. انكفأت كل دولة لإصلاح ما دمره كورونا.
الكل يتابع احصائيات الوفاة والإصابة.. وينسى أن يتابع احصائيات الشفاء لأنها بالمقارنة بالاثنين هزيلة.. الموت ورائحته والفراق الذى سمى بالتباعد الاجتماعى.. عز كل شىء فى زمن الكورونا حتى الصلاة فى المساجد والكنائس راحة الروح والقلوب.. عناق الأباء  والأمهات للأبناء.. هو الفراق من أجل الحياة.. حتى وأن حاولت الشعوب الغربية الغناء فى شرفات المنازل فهو غناء حزين لم يعد بمقدور أحد حتى توديع أقرب الناس.. رائحة الوباء تفوح من الجثث لتقتل الأحياء.
الكل عاجز.. الدول القوية عجزها أكبر من الضعيفة.. فشعوبها وضعت الثقة فيها تنتظر منها النجاة.. طوق النجاة.. ولكن الرسالة للجميع واحدة.. الزموا منازلكم.. تباعدوا وتباعدوا.. اهربوا من العدوى!!.
البعض يسخر ويسخر من الإجراءات الوقائية والاحترازية.. ولكن لا سخرية مع الموت.. ايمانك بالموت أصبح أقوى من ايمانك بالحياة.. لانك تراه فى أقرب الأقربين لك..
لم تعد دولة بمقدورها أن تقول أنا الأقوى.. أنا الأكبر.. حتى الصين تقول انتصرت على المرض.. ثم تعود الإصابات مرة أخرى.. لن ينتهى كورونا إلا بعد ان نتعلم الدرس.. الخبراء يقولون المصل.. اللقاح يحتاج شهوراً.. ثم يعودون ويقولون الفيروس يتحور ويتحور.
المشهد قاس.. بالأمس القريب كنا نشكو من ضيق العيش وارتفاع الأسعار ولم نحمد رب العالمين على الصحة.. الآن العيش  عز أكثر  وأكثر واحيط بشبح الموت الذى يقترب ويقترب.
لا يمكن لاحد أن ينكر أنه لا إمبراطوريات ولا دول كبرى فى العالم.. عالم بلا أقطاب.
فى عالم يحكمه فيروس صغير اسمه كورونا. الكل سواسية.