صدى الصوت

الشفافون والبشرى!

عمرو الديب
عمرو الديب

بأنوار بصائرهم النفاذة يرى الأنقياء الشفافون الأذكياء فى المحن المظلمة، والأزمات الخانقة، والملمات الصاعقة ما لا يراه غيرهم، ويقرأون سطورا غير مرئية بالنسبة إلى الآخرين، فحشود الناس تذهل عن رؤية العبر، واستنباط الحكم، وتأسرهم رهبة المحنة، وتزلزلهم سطوة الكارثة، وتستحوذ على حواسهم مخافة السقوط فى هاوية الملمات، ولأنهم تخففوا فخفوا فارتفعوا وارتقوا تجدهم وقد تسلحوا بالسكينة متأملين متفرسين فى الوقائع ومغزاها، ومدققين فى الأحداث ومعناها، وبعيون عجيبة تراهم يتعمقون النظر إلى الأشياء والأنباء فيشاهدون دلائل الخير فى عتمة الشر، ويلحظون بشائر النجاة فى ظلمات اليأس والإحباط، وفى قلب الملمات يتراءى لهم الخلاص على أجنحة الأوقات الموعودة، والمواعيد المعهودة، ولمصرنا الكنانة مع هؤلاء حكايات وقصص ووقائع ونوادر، ودائما ما توقع هؤلاء من الأفذاذ والأصفياء والأتقياء، وأذكياء العقول والأفئدة لبلادنا صعودا مستحقا قريبا، وقفزات كبرى تعقب دائما المحن، وإزدهارا وشيكا على أيدى المخلصين من أبناء وطننا الساهرين على سلامته، القابضين على أسلحتهم من أجل حمايته، والمتأهبين دوما لنجدته وإجابة استغاثته، ففى رحم الملمات الرهيبة تتشكل ملامح الأجنة السارة السعيدة، ومن بطون المحن المفزعة الكئيبة تخرج إشراقات الصورة الجديدة، ومصر التى تلقت تجربة وباء «كورونا» الفتاك بصبر وبأناة وحكمة مشهودة، وأداء مخلص وراق أعلنت للدنيا كلها أنها قادمة، لتبث فى المشهد المظلم الكئيب روحها الوثابة، وطاقاتها الولادة، وبصماتها الحية الوهاجة، وسكينتها الهادية الحانية، وتلك المعانى أبصرها الأفذاذ أذكياء الفؤاد وأنقياء القلوب خلف المحنة الفاجعة، ومن وراء الأزمة المشتدة المفزعة، وربما ضحك بعض هؤلاء المبصرين فى العتمة، وهم يرون مشاهد عدد من الصغار فى الأحداث العظام، ومنهم بعض المتطفلين على عالم الثقافة والصحافة والأدب، وأحدهم يضرب به المثل فى الجهل، ومع ذلك يصر على إدعاء الثقافة، ملأ الدنيا حديثا عن رواية الأديب الكولومبى الأشهر جابرييل جارثيا ماركيز: « الحب فى زمن الكوليرا»، باعتبارها نموذجا للإبداعات التى تناولت هول الأوبئة وانتشار الكوليرا، مع أن رواية ماركيز تتحدث عن مجرد شائعة بانتشار الكوليرا أطلقها عاشق فى السبعين من عمره لينعم بالخلوة مع محبوبته، وطبعا ذلك الدعى الجاهل لم يقرأ رواية ماركيز، وراح يملأ الدنيا نهيقا!

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي