قضية ورأى

وباء كورونا..وكشف المستور..!!

محسن حسنين
محسن حسنين

أخطر ماكشفت عنه أزمة وباء كورونا أنها نزعت ورقة التوت عن عورات كل الدول التى كنا نظنها، قبل الأزمة، دولا عظمى أوكبرى ونمورا اقتصادية يشار لها بالبنان..فاكتشفنا، مع أول اختبار حقيقى لها أنها مجرد نمور من ورق..!!
فأمريكا بجلالة قدرها وقعت فى حيص بيص بعد أن اكتشفت أنها يا مولاى كما خلقتنى فى مجالى الصحة والبحث العلمى، وخرج العشرات من الأطباء والأطقم الطبية فى مظاهرات تطالب بتوفير الحد الأدنى من الإمكانيات للمستشفيات لمواجهة وباء كورونا الذى يفتك بالأمريكيين دون هوادة..!
وسمعنا من الممرضات والأطباء الأمريكيين قصصا يشيب لهولها الولدان عن الكمامات التى تستخدم أكثر من مرة، وأكياس القمامة التى حولوها لأردية طبية، وأجهزة التنفس الصناعى التى تخلو منها معظم المستشفيات..وتابع العالم كله على الهواء مباشرة حالة التخبط التى تعانى منها الإدارة الأمريكية فى مواجهة الأزمة..وكأنها دولة من دول العالم العاشر وليس الأول..!!
وقد كشفت الأزمة أنها ليست مجرد أزمة صحية قد تنتهى بانتهاء مسبباتها، فقد أدت لتداعيات سياسية واقتصادية، قد تتحول بسرعة إلى سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية التى ستؤدى إلى تغيير كامل فى خريطة العالم، حيث تتفتت دول وكيانات كانت ملء السمع والبصر قبل الأزمة.
فمما لاشك فيه أن الاتحاد الأوروبى فى طريقه للتفكك، بعد أن ظهرت بوادر انقسامات بين دولة بعد تقاعس الاتحاد عن نجدة العديد من أعضائه، الذين يفتك بهم الوباء كإيطاليا، التى جاهرت بالشكوى وانتقاد الصديق الذى لم يظهر أبدا وقت الضيق.
ولأن الشىء بالشىء يذكر..فقد ظهر جليا لكل ذى عينين أن الإدارة الحكيمة والمحترفة للدولة المصرية للأزمة بجميع جوانبها الصحية والاقتصادية فاقت بكثير إدارة العديد من دول العالم المتقدم للأزمة..وقد شهد بذلك القاصى والدانى؛ وهو ما يجب أن يحفزنا على أن نبنى على ما حققناه حتى الآن، بالمضى قدما فى ترسيخ بنية البحث العلمى والصحة برصد المزيد من المخصصات فى الموازنة العامة للبحث العلمى والصحة والتعليم.
فلا يخفى عليكم جميعا أن كل الموازنات فى السنوات السابقة كان يتم تمريرها أمام أعين الجميع، باتفاق غير مكتوب بين مجلس النواب والحكومة، فالحكومة كانت ترصد مخصصات أقل للتعليم والبحث العلمى والصحة من المنصوص عليها فى الدستور، والذى ينص على ألا تقل مخصصات القطاعات الثلاث عن 10% من الناتج «القومى» الإجمالى.
وكانت الحكومة تدعى أنه لا يوجد ما يسمى بالناتج القومى الإجمالى، بل لدينا ناتج محلى فقط..وهو يقل بالتأكيد عن الناتج القومى، وبالتالى تقل مخصصات القطاعات الثلاث فى الموازنة عما هو منصوص عليه دستوريا..!
وكان مجلس النواب يمرر هذه اللعبة كل مرة، بمزاجه، على اعتبار أنه ليس لدينا ترف الإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمى بكل المبالغ الطائلة التى يلزم الدستور الحكومة بها..!
لكن جاء وباء كورونا ليؤكد للقاصى والدانى أن الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمى ليس ترفا، لكنه يفوق فى أهميته كل القطاعات الأخرى بلا استثناء.
وبقراءة سريعة لأرقام الموازنة الجديدة، التى كشف عنها وزير المالية منذ ساعات، نجد أن مخصصات الصحة لاتزيد على 95.7مليار جنيه، فى حين أن الدستور نص على أنها يجب أن تزيد على 3% من الناتج القومى الإجمالى..!
أما التعليم فقد بلغت الزيادة فى مخصصاته فى الموازنة الجديدة46.75مليار جنيه، رغم أن الدستور نص على أنها يجب أن تزيد على 4% من الناتج القومى..
وبلغت الزيادة فى مخصصات البحث العلمى فى الموازنة الجديدة7.8 مليارجنيه، وهو مبلغ يقل كثيرا عن النسبة التى حددها الدستور وهى 1% من الناتج القومى الإجمالى..!!
إننى لا أهدف للضغط على الحكومة فى ظل هذه الظروف بالغة الدقة والتعقيد، لكننى فقط أرى أنه فى إطار منهج الشفافية الذى انتهجته الحكومة منذ بداية الأزمة، وحتى لحظة كتابة هذه السطور، أن تتم جميلها، كما يقولون، وأن تلتزم مبدأ الشفافية والمكاشفة فى كل شىء؛ لأن الأزمة العالمية الراهنة أثبتت أن الشفافية هى كلمة السر فى نجاح التجربة المصرية فى التعامل مع أشد الأزمات فتكا فى تاريخ البشرية.