عمرو الخياط يكتب: مصــر في مســجد المشــير

الكاتب الصحقي عمرو الخياط
الكاتب الصحقي عمرو الخياط

إلى رحمة مولاه انتقل محمد حسنى مبارك بعد سيرة ومسيرة طويلة وغنية بالأحداث المثيرة والدرامية، الآن هو فى عالم برزخى غيبى بين يدى بارئه فلا ينبغى الحديث عن مصيره الذى لا يملكه إلا خالقه.

لسنا أمام تقييم لمسيرة الراحل، فالرجل خضع للمحاكمة العلنية وواجه تقييما إعلاميا وسياسيا كثيفا برغم أنه قد سلك سلوكا رفيعا فى الابتعاد عن المنصب الرئاسى فحقن الدماء وحفظ عصمة الدولة وسلم إدارتها للحارس الأمين فى المجلس العسكري.

بعد إعلان خبر وفاته اجتاحت وسائل التواصل حالة من الاستقطاب راحت تدفع المصريين نحو الانقسام ليس حول الرجل بقدر ما يمثله الرجل، وراحت فلول إخوانية تحاول إدارة هذا الشقاق من أجل اصطياد كتل شعبوية وإضافتها لرصيد معارض لدولة ٣٠ يونيو بهدف تفكيك الكتلة الصلبة لها وتشتيتها، بينما راحت فلول ينايرية تحاول طرح إعادة فكرة تقييم ما حدث فى يناير ٢٠١١ من أجل تغذية حالة الاستقطاب الحادثة، أى أن فلول يناير حاولوا تضخيم حالات الطعن فى الرجل المتوفى من أجل إضفاء قيمة لفعلهم الثورى ثم القفز منه على دولة يونيو بادعاء أنها أعادت إلى المشهد كل من وكل ما ثارت ضده يناير.

كان الهدف هو دفع كتل للانفضاض من حول دولة ٣٠ يونيو دون المبالاة بما يمكن أن تلتف حوله حاليا بقدر ما كان الحرص على أن تبقى هذه الكتل هائمة فى الفراغ المطلق لا هم لها إلا تصدير الإحباط والطاقات السلبية التى حتما ستستغل فى إعادة إحياء موجة ضد دولة ٣٠ يونيو إذا نجحت محاولات صرف مريديها عنها.

بلا أدنى شك كانت الآلة الإعلامية الإخوانية متربصة بالدولة المصرية وتنتظر انطلاق حملات الطعن فى الرجل المتوفى أو حملات التجاهل من أجل إظهار دولة يونيو بأنها دولة المكايدة التى لا تعرف الوفاء والتى تسيطر عليها الانفعالات والانطباعات الشخصية.

كانت القنوات الإخوانية تجهز محتواها من أجل إظهار الدولة المصرية بأنها تتجاهل أحد أبطال حرب أكتوبر ثم تنسج أوهامها المريضة بأن ذلك أحدث حالة غضب لدى القوات المسلحة.

قنوات الإخوان كانت تنتظر أن تظهر مصر مضطربة وأن قيادتها قلقة من حالة الشعبية المفاجئة التى ظهرت للرجل المتوفى ولذلك ستسعى للتعتيم على هذه الشعبية التى تهدد ثبات الوضع الحالى وفقا لخيالهم المريض.

ووسط ظلمات الوهم الإخوانى سطعت دولة ٣٠ يونيو بنور يقينها المستمد من شرعيتها وبقوة ثباتها على الأرض والذى أصبح غير مبال بالحملات الإخوانية والينايرية التى تقف على أرضية هدم الدولة.

هنا قررت دولة ٣٠ يونيو أن تسلك سلوك الدولة الرشيد والذى لم يعد يخضع لابتزازات الحملات الإلكترونية والسياسية، ووسط حالة الاستقطاب الإلكترونى كانت دولة يونيو قد حسمت موقفها فأصدرت مؤسسة الرئاسة بيانا تنعى فيه الرجل نعيا ارتكز على كونه بطلا من أبطال القوات المسلحة، ثم أصدرت القوات المسلحة بيانا أكدت فيه نفس المعنى وبوضوح.

ثم جاء البيان الصوتى للقوات المسلحة ليحسم الموقف تماما بعد أن جاءت نبرته مستمدة قوتها من قوة الدولة، وجميع البيانات قد ارتكزت على أرضية اعتزازها بقيمة الرمزية العسكرية التى كان يمثلها الراحل.

وفِى مسجد المشير الذى حمل اسم أمين سر الدولة المصرية محمد حسين طنطاوي الذى تحمل أمانة الدولة في أصعب الظروف اصطفت أطياف الدولة المصرية فى جنازة القائد العسكري يتقدمهم الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يدرك شرف العسكرية المصرية، وعلى أصوات المدافع تقدمت الخطوات الجنائزية بثقل وثبات شرعية ثورة الدولة فى ٣٠ يونيو.

وقتها أحدث سلوك الدولة ارتباكا حادا فى قنوات الإخوان وحسابات المجموعات الثورية التى كانت تستعد لإدارة معركة مصنعة بين دولة ٣٠ يونيو وبين مجموعات متفرقة إلكترونيا من الممكن أن تتحد على أرضية انتقادها لجحود هذه الدولة، لكن حجم إدراك المسئولية التاريخية والإنسانية فاق حملات ومحاولات تسييس الموت.

لقد كان المغرضون متربصين بدولة ٣٠ يونيو لكنها من واقع إيمانها بعدالة قضيتها دعت المصريين جميعا للالتفاف حول مشهد وطنى فرضه اعتزاز المصريين وقواتهم المسلحة بشرف العسكرية، بينما كان التنظيم الإخواني ينتظر أن تقدم مصر أبناءها من حارب وانتصر كمن تخابر وقتل، فإن مصر قالت كلمتها بوضوح بعدما تزين جسد القائد العسكري الراحل بعلم مصر.