«المقاهى».. سرطان في قلب القاهرة

المقاهي
المقاهي

- 2 مليون مقهى فى مصر منها 150 ألفا بالقاهرة

- نائب محافظ القاهرة: الحرب مستمرة على «الكافيهات» المخالفة

- المواطنون: أنقذونا من الفوضى وحملات الأحياء «فشنك»


«أنا رايح أقعد على القهوة».. «هقابل أصحابي في الكافيه».. جملتان متلازمتان داخل كل بيت مصرى بل إنهما فى أوقات كثيرة تكونان بطلا بلا منافس لكل الأزمات والمشاجرات بين أفراد الأسرة الواحدة.. هنا فى ميادين مصر.ـ كل الميادين ـ بل والحوارى والأزقة لا يخلو كل شبر فيها من مقهى صغير أو حتى غرزة لا ترى.

 

المقاهى التى كانت تعتمد على «القهوجى» تحولت إلى كافيهات خمس نجوم وإلى بيزنس كبير اقتحمه النجوم ورجال الأعمال ليدر أرباحاً خيالية، حيث إنه يعد المشروع الأسهل والأسرع ربحاً وعائداً ولا يحتاج إلى رأسمال ورغم صراخات الأهالى من الضوضاء والمشاجرات وتلوث البيئة إلا أن كل صرخاتهم ضاعت فى مهب الرياح واحتل أصحاب المقاهى الأرصفة وأجزاء كبيرة من الشوارع ليلاً ونهاراً دون رادع.

 

لا يخلو منها شارع أو حارة، أكثر المشاريع ربحية أو كما يطلق على أصحابها تجار المياه الساخنة فى سنوات قليلة تحول العديد من محلات مصر إلى مقاه بعضها يمتلكه مشاهير كالفنانين ولاعبى الكرة والبعض الآخر يمتلكه بلطجية وآخرون لجأوا إليها لأرباحها السريعة.. المقاهى لم تعد آثارها مقصورة فقط على إزعاج السكان بأصوات التلفاز المرتفعة بل وصلت إلى مشاجرات بين الزبائن إلى جانب احتلالها الأرصفة والشوارع لتشكل تهديدا لأمن المجتمع ككل.. ووفق الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أنه يوجد 2 مليون مقهى فى مصر، وتستحوذ محافظة القاهرة وحدها على 150 ألف مقهى، ويبلغ حجم إنفاق المترددين عليها 40% من رواتبهم، كما تبلغ التكلفة الاقتصادية التى ينفقها المصريون سنويا على تدخين السجائر والشيشة 40 مليار جنيه وتشير هذه الإحصاءات إلى أن الإنفاق على التدخين بكل أنواعه يصل إلى 128 مليارا من متوسط دخل الأسر، وقد أثبتت أبحاث أجراها المركز المصرى لأبحاث مكافحة التدخين أن أكثر الأماكن العامة ضرراً بالصحة هى المقاهي، حيث وصلت نسبة الجزيئات العالقة بالجو إلى 775 ميكروجراماً لكل متر مكعب وهى نسبة شديدة الخطورة وطبقاً للقيادات الأولية، فعندما يتراوح عدد الجزيئات العالقة فى الجو ما بين 66 و250 ميكروجراماً لكل متر مكعب، فهذا يعنى أن الهواء المحيط بالمكان غير صحى ويعرض الأفراد الموجودين به للإصابة بأمراض الرئة والقلب.


مقاهي وسط البلد
بدأت الجولة من منطقة وسط البلد التى اختفت ارصقتها وتحولت إلى مقهاى عشوائية وغرز وعنوانا للفوضى والفساد والاعتداء على الحرية وتحولت منطقة وسط البلد إلى مرتع لكل صاحب مقهى يمتد بها إلى الخارج لتحتل الأرصفة وتصل إلى منتصف الشارع فتعوق حركة السير، ومرور السيارات أيضاً فى تحدٍ واضح للقوانين والقواعد، والأكثر أن أغلبهم لا يحمل تصريحاً لهذا المقهى من الأساس وتتركهم اجهزة الاحياء دون حسيب أو رقيب.. وبالقرب من ميدان عبدالمنعم رياض، وميدان طلعت حرب، تجد مقهى فى كل خطوة تخطوها، أغلبها لا تزيد مساحته على خمسة أمتار، ويأخذ أمامها الشارع كاملاً، يضع فيها عشرات الكراسى، ولا يراعى أبداً حق مرور السيارات، أو حتى المواطنين فى العبور واحتلت الأرصفة.

 

«الأخبار» التقت بعدد من أبناء المنطقة حيث يقول محمد صادق - مدرس - أن هناك تراخيا كبيرا من جانب موظفى الإشغالات ومسئولى المحليات فى تطبيق الرقابة على هذه المقاهى، التى أصبحت تحتل الشوارع المصرية بدون إذن رسمى، وأحياناً بدون تصاريح قانونية، مؤكداً أن حالة الفوضى الموجودة حالياً عادت بعد أن تأكد أصحاب المقاهى من عدم وجود رقابة أو مساءلة أو أى أداة من أدوات الردع.. وأشاررمضان محمد - موظف- على أن الحكومة قدمت مشروع القانون لإصدار تراخيص قانون المحال العامة، وينظم عملية إصدار التراخيص للمحال العامة بكافة أنواعها ويحدد رسوم الترخيص والعقوبات التى ستطبق على مخالفته، لكن الحكومة، وفى مقدمتها المقاهى والكافتيريات ولكن القانون لم يخروج للنور واطالب بسرعة فتح الملف من جديد.


انتقلنا إلى أرقى أحياء مصر إلى حى مصر الجديدة فالوضع أصبح أشبه بتحدى أصحاب الكافيهات لأجهزة الأحياء بالإضافة إلى الممارسات اللاأخلاقية التى كانت تحدث فضلا عن تهديد حياة السكان فى مختلف المقاهى السكنية، بسبب استخدامها مواد قابلة للاشتعال فى أى وقت، إلى جانب المشاجرات التى تحدث بين الحين والآخر بين رواد المقاهى والكافيهات والتى تحولت إلى سرطان يجتاح الأحياء الراقية، وكثيرا ما تصدت لها الأجهزة المعنية لكنها كانت تعود مرة أخرى بالرغم من إغلاقها، بسبب الأرباح الخيالية التى تحققها، وعدم وجود تشريعات حاسمة للتعامل معها أو حتى أن أجهزة الحى قاطبة عاجزة تماما عن مواجهتها.

 

مصر الجديدة التى تميزت منذ تخطيطها فى عهد الاحتلال الفرنسى بجاذبيتها ومشهدها الحضارى أصبحت تئن من ذلك الوباء المتفشى فأكثر من 82 مقهى وكافيه يضربونها فى مقتل وتتعالى أدخنة «الشيشة» التى تخرج منها لتعلن أنها تتحدى القانون بلا رادع يوقفها.. التقت «الأخبار» مع عد من أبناء ذلك الحى الراقى فيقول رشاد السيدـ أحد سكان المنطقة ـ أن الكافيهات أصبحت وباء ينتشر يومياً فى جسد الأمة وأضاف أن ظاهرة انتشار المقاهى فى مصر ينبغى مواجهتها واتخاذ الإجراءات ضد غير المرخصة منها توضع تحت السيطرة ينبغى أن يراعى الأطروحات الاجتماعية البديلة، فلا يجوز أن نأتى بين ليلة وضحاها بغلق المقاهى، فهناك مئات العاملين تمثل مصدر رزقهم الوحيد، وبالتالى يجب أن تتوافر دراسة اجتماعية، وأقترح أن يتوقف الأمر فى المرحلة الراهنة عند تقنين إغلاقها كتحديد مواعيد لساعات العمل، ومراقبة إيراداتها لسداد الضرائب.

 

وقال أشرف الشرقاوى - موظف- أنا من سكان مصر الجديدة وتحديدا منطقة ألماظة التى كانت أرقى مناطق مصر الجديدة وأصبحت لا تطاق من كم الكافيهات المخالفة التى فتحت فى فترة الانفلات الأمنى وبالتحديد شارع النزهة الذى هو بمثابة شريان يربط أطراف مصر الجديدة. وأضاف: خسارة كبيرة فالأحياء السكنية الراقية تدمر لحساب فئة من الاستغلاليين الخارجين عن القانون.


وذكر إبراهيم صابر نائب محافظ القاهرة للمنطقة الشرقية إن تراخيص الكافيهات والمقاهى، من المفترض أنها متوقفة منذ عام 1992، وتمنح التراخيص فقط للمطاعم، ولكن الكافيهات الموجودة حالياً تحصل على تراخيصها من قبل الجهات السياحية، وليس الحى، ويعد ذلك عائقاً أمام أجهزة الأحياء، فحملات الغلق والتشميع التى نقوم بها، على هذه الكافيهات، يعاد فتحها، وتمكنهم الجهات السياحية من إعادة فتحها مرة أخرى.

 

وأضاف «صابر»، أن ظاهرة «الكافيهات» انتشرت أن حملات رفع الإشغالات والمخالفات مستمرة فى نطاق أحياء المنطقة الشرقية ويتم غلق الكثير منها وتشميعه، وسيتم تكثيف هذه الحملات خلال الفترة المقبلة وأكد، أن حملة مراجعة الكافيهات التى تتم، هى حملات بصورة دورية مستمرة لن تتوقف.


حملات مكبرة
ومن جانبه يقول المهندس سيد عبد الفتاح رئيس حى بولاق أبوالعلا إن هناك حملات مكبرة على المقاهى المخالفة وردعها ويتم يوميا مراجعة تراخيص الكافيهات والمقاهى والمحلات وإغلاق المخالف منها وغير الملتزمة باشتراطات الترخيص. وأضاف إنه لا أحد فوق القانون وهناك تأكيدات من محافظ القاهرة لرؤساء الأحياء بالتنسيق مع أجهزة الشرطة لمواجهة ظاهرة انتشار المقاهى المخالفة، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد مالكيها بإغلاق المخالف وقطع المرافق عنها والتحفظ على الموجودات بالمحل وعدم صرفها إلا بعد قرار النيابة وسداد الغرامات المقررة.