إنها مصر

لك يا مصر السلامة

كرم جبر
كرم جبر

لا صلاح إلا إذا اغتسلت الأرواح وتطهرت القلوب وصفت النوايا، ورفعنا أيدينا مخلصين بالدعاء «اللهم نسألك أن تطهر قلوبنا وتكشف كربنا وتغفر ذنبنا وتصلح أمرنا وتغنى فقرنا، برحمتك يا أرحم الراحمين».
لا علاقة لهذا الدعاء بأى ظروف آنيه تستدعيه، ولكن تستوقفنى حالة «الغلّ» الفردى والجماعي، التى تصيب البعض دون أسباب محددة، خصوصاً أعضاء الجماعة التى حاولت اختطاف الوطن، وانتزاع علمه ورايته.
الأديان لا تدعو أبداً إلى الانتقام والكراهية، خصوصاً إذا كان «الغلّ» منصباً على الأوطان، ومخطئ من يتصور أن الدعاوى المتزايدة للتحريض ضد هوية الوطن، تجد أدنى استجابة على أى مستوى، لأن الناس لا يتصورون يوماً أن حبهم لوطنهم ضد إيمانهم، إلا تلك الجماعة.
ما أقبح من ينصبون أنفسهم أوصياء وجلادين وسيافين، وينشرون دعاوى التكفير والخوف بين الآمنين، فمن الذى منحهم حق حراسة الطريق إلى الجنة، ففرشوه بالنار والعذاب والقسوة، وحرموا الحلال وأحلوا الحرام، واتخذوا من الغلظة والتجهم منهجا وأسلوبا، وجعلوا من أنفسهم حراس اليوم الآخر؟
من الذى نصَّب من دعاة الشر أوصياء على الإيمان الذى لا يعلمه إلا المولى عز وجل «يوم تبلى السرائر»، بينما البلاد فى أمس الحاجة إلى سلام النفس والقلب والضمير والوئام، وأن تنشر الأمل والتفاؤل والرحمة والمودة والموعظة الحسنة.
إنهم لا يعرفون معنى «لا إله إلا الله» عندما ترتفع عالياً فى السماء، فتتوحد القلوب وتتطهر المشاعر، بهدف إعلاء شأن الإنسانية لعبادة إله واحد، رب الكون وليس لصالح الأغراض السياسية، أو أن تزعم جماعة ومن ينتمون إليها أنهم أصحاب وكالة السماء حصرياً، وأن أتباعهم وحدهم هم المسلمون، وغيرهم رويبضة كفار.
أسوأ شيء يرتكبه المتاجرون بالأديان، هو استغلال فقر الناس وعوزهم، والمتاجرة بآلامهم وأوجاعهم، دون أن ينشروا بين الناس أن الغنى عند الله هو من يعين الفقير ويرفع الكرب عنه.
ما أحوج مصر والمصريين إلى استنهاض روح الأمة، والعودة إلى جوهر الدين الحنيف، والإسلام الوسطى السمح، الذى ملأ الكون نورا، فلا دنيا لمن لم يحى دينا، ولا صلاح إلا باستنهاض الأخلاق، ولنتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق.
أوصياء الإديان يتغافلون المعانى الحقيقية لتصحيح المفاهيم، وتجديد الخطاب واللغة والمعانى والمقاصد، وينصرفون إلى جدل غير مفيد ومن يقع فى أتونه لن يخرج منه سالماً، فجوهر الإسلام إسعاد البشر وهدايتهم وتيسير سبل الحياة، وليس إشاعة أجواء ضبابية، لا تساعد ابدا على تنوير العقول، وإيقاظ الوعى والضمير، وإنما رفع رايات التكفير والترهيب.
«لك يا مصر السلامة.. وسلاماً يا بلادى».