حكايات| 176 عاما من «التنمر والتحنيط».. معاناة أقبح امرأة في العالم

أقبح امرأة في العالم
أقبح امرأة في العالم

«أقبح امرأة في العالم.. المرأة القردة.. السيدة البابون - نسبة لقرد البابون - المرأة الدب من أدغال المكسيك.. نصف إنسان – نصف قرد»؛ هذه نبذة عن أبرز الألقاب التي ارتبطت بالشابة المكسيكية «جوليا بسترانا»، التي عانت من تشوه خلقي نادر كان عبارة عن زيادة في نمو الشعر، لدرجة أنه كسى جسدها بالكامل.

 

المكسيكية «جوليا بسترانا»، صاحبة القلب الطيب والروح الجميلة، والإرادة التي لا تنضب في وجه كل هزيمة وانتقاد وتنمر، ولدت في عام 1834 ميلادية بإحدى المناطق الجبلية بالمكسيك ومنذ ولادتها عانت الفتاة من تشوه نادر، ولم يتقبل ذويها شكلها المختلف ما دفعها للهروب من البيت.

 

مسخ للتسلية

التقت «جوليا بسترانا» خلال رحلة هروبها بأحد عاملي السيرك الذي عرض عليها العمل في أحد فقراته كمسخ يعرض لتسلية الزبائن، وعلى الرغم من الإهانة النفسية التي تعرضت لها الشابة المكسيكية، إلا أنها قررت قبول العرض المُهين عن العيش كمشردة في الشوارع، ليذيع صيتها بعد ذلك وتتصدر أخبارها الصحف التي أطلقت عليها في حينها «صاحبة أقبح وجه في العالم».

 

وفق مصادر عدة خلال تلك الفترة، قدّر طول «جوليا بسترانا» عندما بلغت سن الـ 20 من عمرها بنحو 135 سنتيمتر، بينما لم يتخطَ وزنها الـ 112 رطلا، فضلا عن ذلك غطى الشعر كامل جسدها، إضافة إلى كل هذا امتلكت هذه الفتاة المكسيكية فما واسعا وجبينا بارزا وحواجب مقوسة وأنفا عريضا.

 

حدائق حيوانات بشرية

ولأن ما بين القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كانت حدائق الحيوانات البشرية – كما أطلق عليها حينها – منتشرة في مناطق عديدة من القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وكان سبب هذا الانتشار البحث عن المال وتحقيق الربح السريع، ما دفع البعض لاستغلال أفارقة من ذوي البشرة السوداء أو أشخاص حاملين لعاهات جسدية بهدف عرضهم على الجماهير، و«جوليا» كانت منتجا بشريا يناسب تلك الفترة بسبب إصابتها بتشوه خلقي فريد من نوعه، فتحولت لوسيلة ترفيهية حيث تم عرضها على الجماهير بهدف تحقيق الأرباح.

 

«جوليا بسترانا»، لم تعش حياتها كلها مستغلة فقط لعيبها الخلقي، بل نالت حظا من الشهرة أضر عليها أرباحا مالية كبيرة، حيث قدمت عروضا عديدة في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وخلال تلك العروض لقبتها الجماهير بأبشع الأسماء، وخلال العرض الذي قدمته في عام 1854 ميلادية بمدينة نيويورك حلت جموع غفيرة من الجماهير لمشاهدة امرأة غريبة لقبتها الصحف بالمرأة الدب من أدغال المكسيك، وجاء ذلك تزامنا مع وصف الطبيب الأمريكي ألكسندر موت، المكسيكية جوليا بالكائن الهجين، مؤكدا أنها نصف إنسان – نصف قرد.

 

مواهب متعددة

الصحف الأمريكية خلال تلك الفترة، استغلت هذا التصريح لنشر أخبار كاذبة مفادها بأن قبيلة جوليا بالمكسيك قبيلة متوحشة تسمح بالتزاوج بين البشر والحيوانات، والحقيقة أن تلك التقارير لم تكن سوى تشويه وتزوير للواقع لأن جوليا عرف عنها أنها امرأة طيبة ومتفائلة، فضلا عن أنها قادرة على التكلم بثلاث لغات من ضمنها الإنجليزية، وإضافة لكل هذا كان لها بعض الهوايات كالطبخ والرقص والمطالعة.

  

رغم الوجه القبيح لـ «جوليا» إلا أن ذلك لم يمنح 20 شخصا من التقدم للزواج بها، ولكنها كانت تعلم جيدا أنهم جميعا كانوا طامعين فيما تحقق من أموال، ولكنها في النهاية وافقت على الطلب الـ 21 والذي جاء من مدير أعمالها الجديد ثيودور لينت، رغم أنها كانت تعلم أيضا أن ذلك بهدف وضع يديه بشكل كامل على الأرباح التي كانت تحققها من خلال عروضها، ولكنها طبقت المثل الدارج: «اللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش».

 

معاناة مستمرة

وخلال جولة أوروبية لـ«جوليا» وبالتحديد في موسكو، وفي حدود شهر مارس من عام 1860 ميلادية، فارقت الشابة المكسيكية الحياة عن عمر يناهز الـ26 عاما بسبب تبعات الولادة والتشوه النادر، ولكن معاناتها والتنمر الذي كانت تلقاه لم ينته بعد الوفاة، حيث أقدم زوجها على بيع جثتها للطبيب الروسي سوكولوف والذي تكفل بتحنيطها وعرضها على الناس.

 

ما أن علم ثيودور لينت – زوج جوليا – بما فعله الطبيب، حتى طلب إستعادة جثمان زوجته ورد المبلغ الذي أخذه منه، ليقوم هو الأخر بوضعها في غرفة زجاجية ويعرضها على الناس خلال جولاته في مختلف دول العالم..

 

167 عاما من المعاناة

 

جثمان جوليا المنحط تعرض بعد ذلك للسرقة، وظهرا مجددا في العاصمة النرويجية أوسلو في عام 1921 ميلادية، وفي حدود عام 1976 ميلادية، تعرض الجثمان للسرقة مرة أخرى، ولكن الشرطة النرويجية نجحت بعد ذلك في العثور عليها ملقاة داخل القمامة، وتم نقلها إلى جامعة أوسلو حيث مكثت هناك حتى مطلع الألفية الثالثة، ومع حلول عام 2005 ميلادية قدمت الفنانة المكسيكية لاورا أندرسون برباتا عرضا لاسترجاع جثة مواطنتها المحنطة، وقالت حينها لصحيفة نيويورك تايمز: «شعرت أن من حقها استعادة كرامتها، ومكانتها في التاريخ وأيضا في ذاكرة العالم»، ولقي هذا الأمر استحسان العديد من الجمعيات المكسيكية التي طالبت بعودة الجثة إلى موطنها، وما أن عاد الجثمان إلى المكسيك يوم الثاني عشر من شهر فبراير لعام 2013، وبعد مضي أكثر من 150 عاما على وفاتها دفنت الجثة المحنطة بمسقط رأسها، لتنتهي معاناة «جوليا» التي استمرت ما يزيد عن 176 عاما.

 

وتوافد الناس إلى مدينة سينالوا دي ليفا، في يوم الدفن المقرر، وقد تم تزيين نعشها بالزهور البيضاء، وقال ماريو لوبيز حاكم ولاية سينالوا، خلال مراسم الدفن: «تخيل الوحشية والقسوة البشرية التي واجهتها، وكيف استطاعت التغلب عليها، إنها قصة عظيمة»، فيما قال الأب جايمي رايز ريتانا للمعزين: «إن الإنسان لا يجب أن يرفض أي إنسان».