شىء من الأمل

صناعة الكراهية والتعصب!

عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب

 عندما أصبت بمرض السرطان قال لى أحد الأطباء الذين ذهبت إليهم ابحث عن العلاج: السرطان الذى أصابك هو من النوع الشرس وليس من النوع العادى، ولذلك يتعين أن نكون شرسين معه فى العلاج والمواجهة، ويتعين أن نشرع فورا فى العلاج بدون تأخير أو تأجيل حتى لا يستفحل المرض.. ولذلك اقتضى الأمر إجراء جراحة دقيقة ومعقدة اعتبرها بعض الأطباء خمس جراحات فى جراحة واحدة.. وبعدها تناولت عددا من جرعات الدواء الكيماوى الصعب.. وعندما طلبت من الطبيب الرفق بى فى العلاج الكيماوى الصعب رد بحسم علىّ بأنه لا يستطيع أن يتعامل برفق مع المرض، وأنه يتعين أن يكون العلاج قويا لنقضى تماما على المرض ونمنع احتمالات عودته أو ما يسميه الأطباء ارتجاعه من خلال خلية صغيرة جدا نكون قد أهملنا التخلص منها ولم نقض عليها تماما.
هكذا يحذر الأطباء من السكوت أو التراخى فى علاج المرض.. أى مرض فما بالك إذا كان المرض خطيرا وليس بسيطا.. وما ينطبق على علاج أمراض الإنسان ينطبق تماما على مواجهة أمراض المجتمعات.. أليس المجتمع يتكون من مجموعة من البشر؟!.... لكن للأسف الشديد نحن لم نطبق ذلك فى مواجهة وعلاج واحد من أخطر الأمراض التى ابتلى بها مجتمعنا منذ سنوات أو عقود، وهو مرض التعصب والتطرف والكراهية!
فى البدء لم نتعامل مع هذا المرض باعتباره مرضا خطيرا ومن النوع الشرس الذى يصيب المجتمعات، ويحتاج لعلاج قوى قاس وحاسم، رغم أن هذا المرض ألحق بِنا كوارث عديدة عندما خلق لنا وحوشا آدمية انطلقت تقتل وتدمر وتخرب وتفجر، وعندما أفقدنا طعم الحياة العادية الطبيعية وفرض علينا حياة استثنائية حتى فى مجال الرياضة ولعبة كرة القدم تحديدا التى صارت مبارياتها لا تقام إلا بإذن الجهات الأمنية وبدون جمهور تحسبا للصدامات التى شهدنا بعضا منها فى مباراة بين من يطلق عليهما قبطا الكرة المصرية!
وحتى عندما أدركنا أن التعصب والتطرف والكراهية مرض خطير وتداعياته كارثية على المجتمعات لم نهب ونسارع بعلاج حاسم باتر له ينقذ مجتمعنا منه.. بل اكتفينا فقط بالمسكنات التى خففت من أعراض هذا التعصب بعض وليس كل الوقت.. بينما تركنا صناع الكراهية والتعصب والتطرف بلا حساب أو عقاب، بل تغافلنا على ما يقومون به وهو بث الكراهية فى أرجاء المجتمع وبين أبنائه وزرع بذور التطرّف والتعصب فى تربته.. ولذلك تفاقم المرض وصار علاجه الآن بعد أن أدركنا خطورته أشد قسوة مما كان من قبل وأكثر تكلفة، والأهم أكثر صعوبة ويواجه مقاومة ورفضا من البعض.
أليس هذا ما حدث الآن ونحن نحاول مواجهة التعصب الرياضى وتحديدا الكروى ؟!.. وأليس هذا ما حدث قبلها ونحن نتصدى للتطرف الدينى الذى خلق لنا من شبابنا تلك الوحوش الآدمية الإرهابية؟!.. إننا ندفع ثمن تجاهلنا أولا لخطورة مرض مجتمعى خطير تمت إصابة مجتمعنا به بشكل متعمد وممنهج ومخطط على مدار عدة عقود مضت، وتراخينا ثانيا فى التصدى لهذا المرض وعلاجه علاجا باترا وحاسما.
والمهم الآن بعد أن أدركنا خطورة هذا المرض المجتمعى ألا نكتفى بعقاب ومحاسبة من يتورط فى ممارسات تعصب وتطرف سواء كان دينيا أو رياضيا أو غير ذلك، أو من يبث خطابا للكراهية فى أى مجال، وإنما يجب أن نبدأ بمواجهة صناع الكراهية والتعصب والتطرف فى المجتمع ومنعهم بالقانون من ارتكاب هذه الجريمة وإفساد صناعتهم الخطيرة.. وهذه مسئوليتنا جميعا فى كل موقع وليست مسئولية السلطة التنفيذية وحدها.

 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي