رؤية

الحرفيون.. لماذا لا يحملون تصاريح عمل كالأوربيين؟

صبري غنيم
صبري غنيم

- خلال زيارتى إلى لندن، دفعنى فضولى أن أسأل عاملة نقاشة انجليزية كانت تعتلى السلم وتقوم بدهان الحوائط داخل فندق «تشرشل» حيث كنت أقيم فيه، بصراحة وقفت مذهولا للمشهد، البنت فى العشرينيات، ترتدى أفرول أبيض تزينه ألوان مختلفة من البويات التى تستخدمها فى الدهانات، انتظرتها حتى تنتهى من دهان المربع الذى بدأته بجوار الأسانسير، وبمجرد نزولها من على السلم المتنقل وقبل أن تستعد للانتقال به إلى مربع آخر اقتربت منها وسألتها.. هل مسموح بعمل البنات فى مهنة النقاشة، قالت هذه المهنة بالذات هناك إقبال كبير عليها من البنات لأنها من المهن التى تكشف فيها عن براعتها، واجتياز الامتحان فيها صعب.. فهمت منها أنها لا تمارس المهنة بالخبرة أو بالفهلوة، يعنى فى دراسة وامتحان.


- وعن الامتحان قالت لى «رودى» وهو اسمها على صدر الأفرول، إننى التحقت بمعهد فنى متخصص فى أعمال البناء والديكور، وأمضيت سنة دراسية قبل اشتغالى، وبعد تأهيلى لمهنة النقاشة حصلت على تصريح عمل بمزاولة المهنة، هذا التصريح معناه أننى كفء للعمل فى الدهانات وتركيب ورق الحوائط، وغير مصرح لى بالعمل بغير هذا الترخيص.


- شفتم الفرق بين العمالة الحرفية فى أوروبا وبين العمالة الحرفية فى مصر.. للأسف عندنا تقدر تدعى معرفتك لأى مهنة، قد يكون طرشجى وفجأة تحول إلى نقاش، أو عامل ديكور واشتغل فى كل حاجة بالفهلوة وبدون دراسة ولا حتى تدريب، والمصيبة أن أبواب العمل مفتوحة بدون ترخيص، من هنا أصيبت المهن الحرفية بالضعف، وأنت وبختك لما تكون محتاج نقاش أو سباك أو كهربائى أو منجد.. مش مهم أنه يكون شاطر، لكن المهم أنه يكون فاهم الصنعة.. وطالما أن العمل للجميع بدون تنظيم لهذه الحرف أو تصاريح عمل، عليه العوض فى سوق العمالة الحرفية الذى أصيب بالتخلف.


- سأروى لكم تجربة معى شخصيا مع النقاشين، فى يوم وليلة قررت أن أجرى عملية دهان فى ثلاث غرف من شقتى، فأشار صديق لى لمعلم نقاشة عشرة على عشرة، وجاءنى المعلم «تامر» ولكى يغرينى عمل البحر طحينة على طريقة أولاد البلد، وقدم لى مقايسة طالبا فيها خمسة عشر ألف جنيه للغرف الثلاث ودهان خمسة أبواب لاكيه، وبعد مفاوضات وصلنا إلى ١١ ألف جنيه، وكان أصعب عملية واجهتنا هى عملية الفرش بالغرف الثلاث ومع وعود وضمانات فشنك بأنهم لن يمسوا الفرش، ولك أن تتخيل المأساة، بصراحة كانت علقة لن أنساها، ويا ليتها انتهت بنهاية سعيدة يعنى بدهانات عشرة على عشرة، لقد أخذت مقلبا فى الدهانات أيضا، كان شغلهم «زبالة» ألوان الطيف على الحيطان، دهنوا المفصلات النحاس بالدوكو الأبيض مع دهان الأبواب، حتى كوالين الأبيض غرقوها بالبوية فتعذر إغلاقها غير عمليات التلطيش على الباركيه، لا يمكن تقول إنهم نقاشون، فسلمت أمرى لله وبعد أسبوعين خرجوا من البيت بأعجوبة بعد أن حرقوا دمنا، وانفلتت أعصابنا.. وجدت نفسى أجمع لهم جرادلهم وألقى بها خارج الشقة وطلبت من أمن العمارة أن يمنع دخولهم.


- قد تكون مثل هذه الحوارات شخصية، لكنى أردت أن أكشف بها أسلوب الحوار مع العمالة الحرفية، فعلا محتاجة إلى تقنين، على الأقل بعقود اتفاق صورة منها فى قسم الشرطة بكده تضمن الوقت ولا أحد يلعب بك، فى سوق العمل ولن تحتاج إلى جهاز حماية المستهلك، فالقضية قضية أخلاق، عامل يضحك عليك بالغش، وآخر فى تسييف الوقت، فى جميع الأحوال انت عرضة لعملية نصب، وكثيرون كانوا ضحايا مثلى.


- السؤال هنا لوزير القوى العاملة الرجل المحترم محمد سعفان، متى نقنن المهن الحرفية ويصبح كل من يعمل فيها يحمل ترخيصا شأنه شأن قيادة السيارة، لا يستطيع أحد قيادة السيارة بدون ترخيص وبالتالى لا يعمل نقاش أو سباك إلا بترخيص.. على الأقل تضمن الدولة حقوق المستهلك.