إنها مصر

عشوائيات «فيس بوك» !

كرم جبر
كرم جبر

«فيس بوك» يصبح أحياناً منصة اغتيال عشوائية، يدير شئونه الأخ مارك، من خلال قواعد يقول عنها «انضباطية» لكنها لا تعرف الانضباط، و»أخلاقية» ولا تعرف الأخلاق، وتحول من شاشة لتعارف الأصدقاء، إلى مستنقع لاغتيال الأبرياء، ما أكثر ضحاياه الذين جرفتهم تلك الوسيلة الساحرة، دون أن يعرف مخاطرها.
خطأ بعض وسائل الإعلام، أنها تنقل عنها دون تدقيق ولا أدرى كيف ينقل صحفى أو إعلامى، ما تنشره الصفحات المجهولة على أنه حقائق، دون أن تكلف نفسها مشقة البحث والتحرى.
وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى تنقل عن بعضها كالبغبغاء، وبمجرد أن ينزل الخبر فى موقع، حتى لو كان كاذباً، يسرى كالنار فى الهشيم فى بقية المواقع الأخرى، وخلال دقائق معدودة، يمتلئ الفضاء الإعلامى بدماء الضحايا وأشلائهم، وتنتحر الحقيقة وتسود شريعة الغاب.
لن تأخذ حقك إذا أصابتك سهام الإعلام الكاذب، فإذا ذهبت إلى الموقع أو الجريدة، لن تجد قبولاً، وإذا ذهبت إلى المحاكم فأمامك سنوات وسنوات، والأكثر خطورة هى الصفحات المجهولة والمواقع المدسوسة، وصفحات أسست من أجل الابتزاز والإثارة والتحريض، ولا يمكن أن تصل لصاحبها، وإذا خاطبت الأخ «مارك» رد عليك بأنها لا تخالف القواعد الأخلاقية، أخلاق «مارك» التى لا تعرف شيئاً عن معايير الأخلاق، ولا عمليات التدمير الواسعة للأخلاق.
سوف تستمر الفوضى طالما أمن أصحابها العقاب، وغيرنا من الدول انتبهت لذلك، وأصدرت قوانين تحمى مواطنيها، وتصون مهنة الإعلام من المندسين، وتمنع تحولها إلى أسلحة فاسدة لاغتيال الأبرياء وتلويث سمعتهم.
من الأهمية أن تفعّل المواقع المحترمة مدونات لقواعد النشر الأخلاقى، الذى يلتزم بالأعراف والتقاليد المهنية، فلا يتسابق لنشر أكاذيب، ولا يتبارى لنقل شائعات لم يتم التحقق فيها، وأن توجد آلية لوضع هذه الضوابط موضع التنفيذ، حتى لا تتحول إلى ما يشبه نصائح الأب الروحى، التى يقرأها الناس فيعجبون بها، ثم يدوسونها بالأقدام.
الإعلام الجاد هو الذى يعلى شأن الحرية والممارسة الديمقراطية، ويقود وعى الجماهير إلى الاستخدام السليم للوسائل التكنولوجية، وفى صدارتها سوشيال ميديا، ففى عصر تصعب فيه الرقابة والغلق والمنع، أصبحت القوانين الرادعة هى الحل، القوانين التى توسع دوائر الممارسة الديمقراطية، وتحفظ الحريات الشخصية، وتصون أعراض الناس، ولا تدعى عليهم كذباً وزوراً وبهتاناً.
لم يعد المصريون اليوم، هم أنفسهم الذين نشاهدهم فى أفلام السينما، أبيض وأسود، فقد اختلفوا وتغيروا ودخلت على الشخصية المصرية ملوثات كثيرة، أهدرت القيم الأخلاقية والسلوكية، ويلجأون إلى الفيديوهات وصفحات فيس بوك، لنشر كثير من مظاهر الطفح الأخلاقة، التى كانت بعيدة عن أخلاقنا.
الخطر قائم ولن ينجو منه أحد، ويمكن أن تنال السهام الطائشة أبرياء.. إذا لم يتم التنظيم الشامل لأسواق سوشيال ميديا العشوائية.