عصر العلم

بذور الثقافة الغربية نبتت فى الشرق الأوسط

فرخندة حسن
فرخندة حسن

فرخندة حسن

الثقافة ليست مصطلحا يمكن تعريفه بسهولة بل هى مفهوم يتأثر بعدة عوامل تختلف فيها الآراء ولذلك يوجد لها عدة تعريفات إلا أنه يمكننا تناول ما تم التوافق عليه وهو أن الثقافة عبارة عن مظلة موجودة فى المجتمعات البشرية تتمثل فى عادات وطبيعة تفكير يتشارك فيها أفراد مجتمع ما وتوجه بل وتسيطر على تصرفاتهم. تكتسب الثقافة وتتشكل أساساً من خلال المعرفة التى يتوصل إليها الإنسان التى تتمثل فى صورة متعددة من العلوم والآداب والفنون 000 إلخ، ومن الأديان التى يعتنقها. نشأت المعرفة منذ أن وعى الإنسان وبدأ يفكر ويسعى إلى تفسير كل ما هو حوله من أحداث وظواهر طبيعية وهو ما كان السبب فى اختلاف الثقافات من منطقة إلى أخرى ومن شعب إلى آخر. يشهد التاريخ أن أولى المعارف الموثقة هى تلك التى نشأت فى مصر القديمة والتى لم تندثر بفعل العوامل الطبيعية مثل (حضارات عريقة أخرى نشأت فى الشرق الأوسط).
كما حدث لأغلب معالم حضارة ما بين النهرين (دجلة والفرات) والتى سطرت معارفها على ألواح من الطين تعرض اغلبها للضياع. بدأت حضارة ما بين النهرين منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وشملت العصر السومرى والبابلى والآشورى والكلدانى. وفى القرن الثالث قبل الميلاد نشأت الحضارة الإغريقية الهلينستية فى الإسكندرية التى بنيت على المعارف المصرية القديمة ومعارف بين النهرين على يد العلماء اليونانيون الذين هاجروا من بلادهم هرباً من التعسف السياسى ضدهم واستمرت على ما يزيد عن خمسة قرون تم تسجيل معارفها فى مكتبة الإسكندرية القديمة. وفى القرن الثامن الميلادى بدأت ملامح نشأة حضارة جديدة فى بغداد فى عهد هارون الرشيد وإزدهرت على يد الخليفة المأمون عندما أنشأ بيت الحكمة ضم فيه العلماء من مختلف الأجناس والأديان من المسلمين والمسيحيين واليهود ومن مصر والشام وتركيا ومن الهند والصين، وعلى مدى ما يقرب من مائة عام كان قد تم تجميع كل ما كان متاحاً من معارف الحضارات السابقة وتمت ترجمتها إلى اللغة العربية. استوعب العرب هذا التراث وصححوا وطوروا وأضافوا إليه الكثير وسجلوا كل أعمالهم فى مجلدات وكتب فأزدهرت الحضارة الإسلامية التى استمرت أربعة قرون وصفها المؤرخ الشهير جورج سارتون «بالمعجزة العربية الإسلامية». بلغت المعرفة العربية ذروتها فى القرن الثانى عشر وذاع صيتها فبدأ علماء الشمال فى النزوح إلى معاهد العلم العربية فى الأندلس التى كانت جزءاً من الإمبراطورية الإسلامية فى ذلك الوقت. كان على علماء الغرب أن يتعلموا العربية التى كانت هى لغة المعارف، ثم قاموا بالترجمة إلى اللاتينية وبنهاية القرن الثالث عشر كان قد تم ترجمة ونقل كل التراث المعرفى العربى إلى أوروبا التى كانت تعيش فى عصور الظلام.. لم ينتبه الغرب إلى أهمية المعارف العربية إلا فى منتصف القرن السادس عشر وعندما استوعبوها بدؤا فى دراستها وتحديثها وتطويرها وبدأت ملامح النهضة الحديثة التى ازدهرت ومازالت إلى يومنا هذا والتى بنيت على أساس من المعارف العربية الإسلامية وهكذا كان الشرق الأوسط هو مهد المعرفة.