الخرطوم تودع قوائم الإرهاب قريبا

المدمرة «يو إس إس كول»
المدمرة «يو إس إس كول»


دراسة: نرمين سعيد


كان لوضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب عدد من الانعكاسات السلبية والخسائر التى وصفت بأنها خسائر بالجملة، فمنذ عام 1993 وهو العام الذى أدرجت فيه السودان على القائمة خسرت ما يقدر 350 مليار دولار. وتمثل ذلك فى  توقف تدفق القروض والتسهيلات والمنح الدولية، إضافة إلى خسائر الصادرات أما على صعيد حركة الاستيراد فقد عانت العديد من القطاعات فى السودان من تراجع كبير وعلى رأسها القطاع الجوى والبحرى بسبب نقص قطع الغيار ، وكان سلوك المعزول عمر البشير سببًا رئيسًا فى  تكبيد السودان الكثير من الخسائر على الصعيد التكنولوجى حيث ظلت السودان تقبع فى حقبة تكنولوجية انتهت من 20 عاما إضافة إلى الانهيار الذى حدث فى قيمة الجنيه السوداني.


ولذلك كان من الأهداف الرئيسية التى وضعها مجلس السيادة السودانى نصب عينيه عقب الإطاحة بالبشير بذل كل الجهود لرفع اسم السودان من اللائحة الأمريكية التى تضم الدول الراعية للإرهاب.


وخلال زيارات رئيس الوزراء السودانى عبد الله حمدوك المتكررة لواشنطن والتى كان آخرها منذ أيام جرت مباحثات مكثفة مع وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو وعد خلالها الأخير ببذل الجهد لرفع اسم السودان من القائمة، وقد عرض حمدوك الكثير من الخطوات التى اتخذتها الخرطوم فى سبيل ذلك ومن أهمها إصدار قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 والذى كان السبب الرئيسى فى وضع السودان فى مأزق الإرهاب، إضافة إلى إلغاء قانون النظام العام سيئ السمعة والمقيد للحريات، والذى كان يحد كثيرا من حرية المرأة ضمن مجموعة قوانين تنظم أمورا اجتماعية أخرى وهو القانون الذى لطالما انتقدته الإدارة الأمريكية.


وعلى نفس الطريق قام مجلس الوزراء السودانى بإيقاف أنشطة أكثر من 25 منظمة إخوانية تمارس أنشطة مشبوهة وكانت سببًا فى جلب زعيم القاعدة أسامة بن لادن إلى السودان وعددًا من عتاة الإرهابيين إليه فى مطلع التسعينيات.


وتتوافق الإجراءات المتتالية التى يتخذها السودان فى هذا الطريق مع تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكى للشئون الأفريقية، تيبور ناجي، والذى أشار إلى أن عملية رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب «ليست قرارا، بل عملية»، وهو الأمر الذى يعنى أنها ترتبط بإجراءات وقرارات تتوقعها الإدارة الأمريكية من الحكومة السودانية خصوصًا أن المحددات الأمريكية لا تبدو وقد استحال الوصول إليها.


 وبالنظر إلى تقرير الإرهاب والذى تصدره الخارجية الأمريكية سنويًا فإن الخطوات التى يجب على السودان اتخاذها هى توسيع قاعدة التعاون فى مكافحة الإرهاب والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولى الخاصة بكوريا الشمالية، خصوصا قطع العلاقات مع بيونج يانج، أما المرحلة الأخرى من الخطوات  فهى مخاطبة قرارات المحاكم العالقة فى القضايا المرفوعة من قبل ضحايا الإرهاب بما فى ذلك قرار المحكمة الأمريكية الخاص بتفجير السفارات فى نيروبى ودار السلام عام 1998 والهجوم على المدمرة «يو أس أس كول» عام 2000».


تعويضات «كول»


 خلال الشهر الجارى وافق السودان على دفع تعويضات لعائلات 17 بحارا أمريكيا قتلوا عندما استهدف تنظيم القاعدة سفينتهم، المدمرة «يو إس إس كول»، بميناء فى اليمن عام 2000. وذلك ضمن شرط أساسى وضعته الولايات المتحدة لإزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. وقد وجدت واشنطن أن السودان كان مسئولا عن الهجوم بشكل رئيسى ذلك أن المفجرين الانتحاريين اللذين نفذا الهجوم حصلا على تدريب فى السودان.


وعلى الرغم من أن المبلغ  الذى وافقت الخرطوم على دفعه لعائلات الضحايا ليس واضحًا ، لكن وكالة رويترز للأنباء نسبت إلى مصدر مقرب من الاتفاق أن المبلغ المتفق عليه هو 30 مليون دولار.


 وقد حاولت وزارة العدل السودانية رغمًا عن أن القضية فى طريقها للتسوية إزالة أى التباس حول موقف الخرطوم من هذه القضية، حيث شددت الوزارة على أنه «تم التأكيد صراحةً فى اتفاقية التسوية المبرمة على عدم مسئولية الحكومة السودانية عن هذه الحادثة .   


قوائم الإرهاب


لاشك أن أسوأ انعكاسات قد تحيط بالسودان فى حال بقاء الوضع على ما هو عليه، هو استمرار النزيف الاقتصادى وتغذية المشكلة الاقتصادية المتفاقمة فى هذا البلد الذى بلغت نسبة التضخم فيه 60 فى المئة وارتفع الدين الخارجى إلى حوالى 53 مليار دولار بينما بلغ سعر صرف الدولار الأميركى أكثر من 70 جنيها.


و استمرار الديون الخارجية المعلقة سيؤثر سلبًا على علاقات السودان بمحيطها الخارجى ويؤخر جذب الاستثمارات الأجنبية، علاوة على أنه سيؤدى إلى فرض شروط قاسية من قبل المؤسسات الدولية المانحة مثل صندوق النقد الدولى ، ولا يستبعد أن يؤدى التفاقم فى الأوضاع الاقتصادية خلال الفترة الانتقالية إلى عودة الحراك الاجتماعى من جديد بحيث يذهب بكل مكتسبات الثورة السودانية والمرحلة الانتقالية أدراج الرياح. وسيقود تزعزع الاستقرار فى السودان لا محالة إلى جر البلد حديث العهد بالديمقراطية إلى حالة من العنف تؤدى إلى زعزعة استقرار الإقليم ككل وحالة من السيولة تجعل من الخرطوم ملجأ للإرهابيين ونقطة انطلاق للعمليات الإرهابية التى تتسع دائرة نفوذها لتطال الشرق والغرب. فالسودان  دولة مؤثرة فى أمن منطقة البحر الأحمر، كما أنه يربط بين شرق وشمال أفريقيا حيث تنتشر بشكل واسع مشكلات الهجرة غير الشرعية وتهريب السلاح والبشر إضافة للتهديدات الجدية للحركات الأصولية المتطرفة. ولذلك فإن خروج السودان من دائرة الدولة المنبوذة يعود بالنفع على استقرار الإقليم أجمع خصوصًا مع الوضع بالاعتبار أن نظام الحكم الإسلامى قد يعاود الانقضاض على السلطة مرة أخرى وسط حالة من التغلغل فى مؤسسات الدولة الأمنى ، وأن استمرار نبذ السودان يدحض ادعاءات واشنطن بأنها تدعم الأنظمة الديمقراطية إلا أن البعض يدفع بأن عزم الولايات المتحدة على رفع التمثيل الدبلوماسى بين البلدين إلى مستوى سفير منذ أكثر من 30 عامًا يؤشر إلى أن العد التنازلى لرفع اسم هذا البلد من القائمة قد بدأ بالفعل. 


مكاسب السودان


سيسمح خروج السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب  للبنوك الدولية بإجراء كافة التحويلات المالية مع السودان كما سيتمكن المواطنين والشركات الأمريكية من إجراء تحويلات مالية مع نظرائهم فى السودان وسيتم رفع  الحظر المفروض على الممتلكات والمصالح بموجب العقوبات.


والسماح بكافة التحويلات المالية المتعلقة بالصناعات النفطية أو البتروكيماوية فى السودان والمحظورة مسبقا، بما فيها خدمات الحقول النفطية، وخطوط النفط والغاز.


ولن يكون ممنوعا على المواطنين الأمريكيين تسهيل التحويلات المالية بين السودان ودول ثالثة، إلى الحد الذى كان محظورا من قبل.