ملايين من الهواء| «تبرعات النت».. «بيزنس خفي» للنصب على المواطنين

ملايين من الهواء| «تبرعات النت».. «بيزنس خفي» للنصب على المواطنين
ملايين من الهواء| «تبرعات النت».. «بيزنس خفي» للنصب على المواطنين

- «كيانات وهمية» تتاجر بأطفال السرطان والفقراء وتجمع ملايين من الهواء

- «فيس بوك» يتحول إلى ساحة لجمع الأموال.. و«اتبرع ولو بجنيه» الأشهر

-  30 جنيها شهرياً من كل فرد.. ورقم هاتف لجمع الحصيلة اليومية

- أستاذ إعلام: صفحات مجهولة المصدر تستغل  التبرعات في أعمال غير مشروعة وتمويل أفكار متطرفة

- خبير اقتصادي: باب خلفي للنصب على المواطنين.. وخلق "مستريحين جدد"

- أستاذ في قانون الإنترنت: الحصول على تراخيص «مزاولة جمع التبرعات» شريطة العمل

 

 

صندوق حديدي مثقوب يتسع لاستيعاب آلاف الجنيهات، يوضع على كرسي خشبي يعلوه مايكروفون  وجهاز صغير مسجل عليه "صوت شيخ" يدعو الناس للتبرع إلى بناء مسجد أو كفالة يتيم أو دعم أحد مستشفيات علاج الأورام والسرطان.. ووسط كل هذا طفل أو رجل رشيد يحرس الصندوق، ويرصد التحركات حوله طوال الوقت، ثم بنهاية اليوم يأخذ القطعة الحديدية بالحصيلة اليومية، ويذهب بها إلى مكان غير معلوم، ثم يكرر الأمر يوميا وبشكل لا ينقطع.

التبرعات الوهمية

هذا هو الشكل التقليدي لأسلوب جمع التبرعات من المارة والمواطنين في الشوارع، بعد أن تحولت عدد من شوارع مصر إلى ساحات لجمع التبرعات، ورغم شيوع هذا الأمر إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تطورا جديدا في أسلوب جمع التبرعات، فأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أو "السوشيال ميديا" الساحة الأكثر رواجا لها، حتى تحول الأمر إلى "بيزنس خفي" تديره كيانات وهمية، تستجدى المواطنين وتتاجر بصورة طفل مريض بالسرطان أو مسنة فقيرة، أو عجوز كفيف وأطفال تحتاج إلى جراحات عاجلة لإنقاذهم من الموت، دون معرفة الجهات المستفيدة منها.

 

لذا، تناقش "بوابة أخبار اليوم" طبيعة تبرعات "السوشيال ميديا"، وهل تصل إلى مستحقيها، وكيفية رقابة الحكومة علي تلك الكيانات التي تغزو السوشيال ميديا خلال الفترة الأخيرة.

اتبرع ولو بجنيه

البداية من موقع "فيس بوك"، فتحت مسمى "اتبرع ولو بجنيه" وبشعار "جروب خيري يساعد الفقراء والمحتاجين ومساعدة عاجلة وشهرية للمحتاجين"،  تعدد الصفحات والمجموعات الفيسبوكية التي تجمع الأموال، فتبدأ في طرح "بوست" من أجل مساعدة حالة إنسانية عن طريق التبرع بالأموال أو أجهزة طبية أو حتى فصيلة الدم، دون الإفصاح عن الجهات المستلمة لهذه التبرعات أو الجهات المانحة.

 

وتقوم فكرة هذه الصفحات - وفقا لمنشوراتها-، على " اتبرع ولو بجنيه يوميا، مش هيفرق خالص مع المتبرع بس هيفرق مع الحالات جدا، كنا اول ماعملنا الجروب الناس كانت مواظبة، وكنا بنفك كرب ناس كتير دلوقتي محدش بيساهم في جمعيه الخير إلا قله قليلة ربنا يجازيهم كل خير والحالات بجد معانا متاثرة جدا، فياريت نرجع تاني ونساعد ولو باقل القليل".

طريقة الجمع

وعرفت نفسها ب "جمعية الخير"، قائلة: "هي جمعية لله ب٣٠ج شهريا بتتجمع كل أول شهر وبنجلكم لحد عندكم او عن طريق فودافون كاش على رقم .. ، وتذكروا لا تنقص صدقه من مال".

تابعت: "عندنا حالات كتير بجد ومش ملاحقين، محتاجين بمبرز كبار السن، أكل، شهريات، إشعات، أدويهء واعتقد جنيه يوميا مش هيفرق مع أي حد، ياريت تفاعل اكتر من كده وكله في ميزان حسناتكم".

 

تمويل التطرف!

وعلى الرغم من انتشار هذه الصفحات إلا أن غياب الرقابة عليها يظل أحد عوامل التشكيك في وصول تلك الأموال إلى مستحقيها، لذا يرى الدكتور محمد المرسي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن التبرعات بشكل عام هي عمل خيري يؤديه عدد كبير من الناس بكامل ارادتهم وبقناعة تامه بأهمية العمل الخيري والتكافل الاجتماعي ودعم مشروعات تعود بالفائدة والخير علي محدودي ومعدومي الدخل، لكنه أضاف أنه من الضروري أن تذهب هذه التبرعات إلى مصادرها الموثوق بها والتي نعلمها ونعرفها تماما.

وقال "المرسي" ل "بوابة أخبار اليوم"، إن التبرعات علي الإنترنت أو من خلال مواقع "السوشيال ميديا" فهو أمر يجب الحذر منه تماما، فنحن لا نعرف ولا نتأكد من مصدر جمع هذه التبرعات، مردفا: وللأسف بها العديد من المواقع مجهولة المصدر، ومنها ما يستغل هذه التبرعات في أعمال غير مشروعة أو تمويل أفكار متطرفة.

 

وذكر "أستاذ الإعلام" أنها هذه المصادر المجهولة تعمل علي استغلال الوازع الديني القوي لدي الكثيرين واستدرار تعاطفهم الوجداني للتبرع دون التأكد ان تذهب هذه التبرعات، موضحا أن هذا لا يمنع أن هناك بعض المصادر التي تجمع تبرعات وهي معروفة وذات سمعة جيدة ولها أعمال معروفة وملموسة في الواقع المجتمعي.

وجدد تحذيره، قائلا: "لكن بشكل عام يجب الحذر في التعامل بالتبرعات من خلال المواقع الالكترونية إلا في حالة التأكد تماما من مصدرها، واين تذهب أموال التبرعات".

وسائل التوعية

أما عن دور الإعلام في التوعية، فأكد "المرسي" أن وسائل الاعلام لها دور مهم في هذا الموضوع بالشرح والتأكيد علي مشروعية التبرعات، وأهمية التأكد من مصادر جمعها والتوعية بكيفية التبرع، والتأكد من سمعة مصادر جمعها وخاصة علي مواقع التواصل الاجتماعي.

 

جهات التمويل

فيما قال الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الشافعي، إن  ظاهرة جمع تبرعات عن طريق "السوشيال ميديا" تحتاج وقفة لأنها وسيلة لتوجيه الأموال لغير المستحقين أو أنها باب خلفي للنصب على المواطنين، لكن الأزمة هو كيفية ضبط هذه العمليات وهو ما يحتاج تضافر جهود الأجهزة المختلفة في الدولة بالتنسيق مع مباحث الإنترنت.

 

وأضاف "الشافعي" ل "بوابة أخبار اليوم"، أن هناك كينات وهمية تنتحل اسم كيان أخر ويبدأ في عمل إعلانات ممولة على السوشيال ميديا ويجمع تبرعات دون معرفة أوجه الانفاق، مشددا على ضرورة تنظيم حملة توعية للحد من هذه الظاهرة التي تخلق "مستريحين جدد".

وفيما يتعلق بالرقابة الاقتصادية، ذكر "الشافعي" ٱ المسألة هنا ترتبط بآليات توجيه هذه الأموال، لكن القضية برمتها مرتبطة بالجهات الحكومية الرقابية ومباحث الإنترنت لضبط هذه الكيانات، متابعا: "ويمكن هنا لوزارة التضامن الاجتماعي أن يكون لها دور بالتوعية بالكيانات المعترف بها رسميا من قبل الحكومة والتي لها حق جمع تبرعات".

 

التراخيص «ضرورية»

وعن الرقابة الإلكترونية على هذه المنصات، قال الدكتور حسام لطفي، أستاذ في قانون الإنترنت والمستشار في وزارة الاتصالات، إن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بجانب جهاز حماية المستهلك يتوليان التدخل في حالة وجود شكاوى من المتبرعين بالنصب عليهم وتوجيه أموالهم إلى مصادر في معروفة، موضحا أن رصد العشرات من وقائع النصب، وهنا يتدخل الجهازين للتصرف بشكل قانوني.

وقال "لطفي" في تصريحات ل "بوابة أخبار اليوم"، إنه لضمان وصول التبرعات إلى مستحقيها، يجب التأكد من حصول هذه الجهة على "تراخيص مزاولة جمع التبرعات" من الجهات المسئولة، لافتا إلى أن بعض الجهات الوهمية تجمع أموالا من خلال التبرعات لغسيل الأموال وأحيانا تمويل جهات محرضة على الدولة.

 

وذكر أستاذ قانون الإنترنت أنه في حالة رصد هذه الوقائع، يتم إخضاع المتسببين في جمع التبرعات إلى قانون العقوبات، وتصل العقوبة إلى السجن والغرامة، وإعادة الأموال إلى المتبرعين.