إنها مصر

انتحار المشاعر الإنسانية

كرم جبر
كرم جبر

هل تعرفون حبيبتى بلقيس؟
فهى أهم ما كتبوه فى كتب الغرام
كانت مزيجاً رائعاً
بين القطيفة والرخام
كان البنفسج بين عينيها
ينام ولا ينام
سبق أن كتبت فى هذا الموضوع من قبل، وراودنى الحنين للعودة إليه وتذكرت نزار قبانى وبلقيس والحب والحياة والموت.. لماذا؟ لا أدرى، ربما من صدمة القبح الذى يحاصر علاقاتنا الإنسانية، وانتحار الرومانسية والمشاعر النبيلة، ليس مهماً.
لن تعود الأيام الجميلة، إلا إذا رجعت قصة حب بلقيس، ملهمة نزار وأيقونة الجمال وسر الحياة، والوجود لشاعر العشق الأول، الذى تصور البعض أن فى حياته آلاف النساء.
الحب أسمى شىء فى الوجود، تتلون الأشياء فى عينى العاشق بلون عيون محبوبته، وتصبح أجمل وردة وأحلى همسة وأرق نداء.. كلامها جاذبية، وصمتها لهفة، وهمسها نداء، حين تأتى تجىء معها البهجة، وحين ترحل تسبقها الأشواق بالرحيل.
ومن يستطيع السيطرة على دموعه حين يقول نزار «بلقيسُ.. كانت أطولَ النَخْلاتِ فى أرض العراقْ.. كانتْ إذا تمشى، ترافقُها طواويسٌ، وتتبعُها أيائِلْ..بلقيسُ، يا وَجَعِى، ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأناملْ.. هل يا تُرى، من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابلْ؟
«بلقيس» قصيدة تفتت الصخر فى القلوب، وتسيل الدموع فى العيون، وتهز المشاعر مهما كانت الأعصاب قوية، وتصل ذروتها الحزينة فى المقطع الذى يقول فيه «يا زوجتى وحبيبتى وصديقتى وضياء عينى.. قد كنتِ عصفورى الجميل فكيف هربتِ منى».
الزوجة عندما تكون نسمة هائمة، تجعل الرجل عاشقا متصوفا فى محرابها، لا يرى سواها ولا يعشق غيرها، وتتألف الأرواح فى عالم آخر غير الدنيا الغادرة التى نعيش فيها، اختفت المشاعر الجميلة، وربما يرى ذلك غير موجود فى الكون، وأنها أكاذيب شعراء، ولكن مثل هؤلاء البشر معذورون.
المرأة هى ساحرة الكون، وسر الحياة ورمز الخلود، ملهمة الشعراء، وعذاب البؤساء، وقبلة العشاق، لا ترحل أبدا حتى لو غاب جسدها، وتظل روحها ملهمة للبلابل والأنهار والليل والهدوء والسلام، وتبقى لحظة الفراق فاصلة بين عالمين، الموت والحياة.
نزار صار متصوفاً فى محراب العشق الحزين بعد مقتل بلقيس فى حادث تفجير السفارة العراقية ببيروت سنة 1980، ويقول «شظايا الكلمات ما زالت داخل جسدى.. أحسست أن بلقيس سوف تحتجب عن الحياة إلى الأبد، وتتركنى فى بيروت ومن حولى بقاياه، كانت بلقيس واحة حياتى وملاذى وهويتى وأقلامى».
نزار الذى تصور البعض أنه يمتلك آلاف النساء، لم يحب سوى زوجته بلقيس، النخلة العراقية الممشوقة القوام، كما كان يحلو له أن يصفها من يقرأ شعره، يتخيل أن فراشه كان لا يخلو من النساء ليل نهار، ولكن من يقرأ قصيدته «بلقيس» التى يرثى فيها زوجته، يتأكد أن نبضة واحدة من قلبه لم تهمس لامرأة أخرى، سوى زوجته بلقيس.
«بلقيس.. لا تتغيبى عنى.. فإن الشمس بعدك لا تضيء على السواحل «.