ورقة وقلم

حـركة 3 يـوليو

ياسر رزق
ياسر رزق

هذا الاقتراح ليس منقطع العلاقة بإجراءات الإصلاح السياسى، بل أظنه فكرة مكملة لخطوات بدأت، ولعلها تتسارع فى الفترة المقبلة

القلق الزائد فى بعض الأحيان، إحساس صحى وشعور مفيد..!
أن تقلق أكثر مما ينبغى فتتحسب بأكثر مما هو لازم، خير من أن تسترخى أكثر مما يجب فتخاطر بأكثر مما تحتمل.
منذ عام مضى أو أكثر قليلاً، كنت أشعر بقلق عميق لا أخفيه قولاً وكتابةً، إزاء مستقبل للحكم كان يبدو ضبابيا بعد عام 2022، غير أن ذلك القلق تبدد ومعه الضباب، خلال العام الماضى إثر تعديلات دستورية أقرها استفتاء شعبى.
الآن يساورنى قلق جديد لا أستطيع أن أخفيه إزاء جيل 2030..!
عندى أسبابى لهذا القلق وسوف أعرضها حالاً.
الطفل الذى كان فى الحادية عشرة من عمره أى فى الصف السادس الابتدائى، أيام ثورة 25 يناير، صار الآن فى العشرين من عمره، إما يدرس بالجامعة، أو دخل فعلاً إلى سوق العمل.
أعنى أن وعيه قد تشكل وتقولب فى خضم تقلبات الأحداث وتجاذبات الأفكار وتناقضات المواقف، بين ثورة 25 يناير ومآلها، وحكم الإخوان ومآله، وثورة 30 يونيو وتوابعها، وعهد البطل الشعبى ومعاركه على الأرض وفى الفضاء الإليكترونى.
والطفل الذى يدخل هذه السنة عامه الثامن، سيصبح فى الثامنة عشرة من عمره عام 2030، أى سيكون من حقه اختيار رئيس الجمهورية الجديد من بين مرشحين عديدين، بعد انتهاء ولاية الرئيس السيسى -أطال الله عمره- إذا شاء الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة فى 2024، واختاره الشعب.
هذا الطفل، ومعه طفل ثورة 25 يناير الذى سيبلغ سن الثلاثين عام 2030 وسيكون فى الأغلب رب أسرة ومع الاثنين الأطفال الذين نشأوا بين عامى 2011 و2020، سوف يصبحون بالقطع محرك المجتمع ووقود الدولة وحملة بيارق الوطنية المصرية وأصحاب الكلمة الفصل فى صندوق الانتخاب وتقرير مستقبل البلاد.
الأهم والأخطر، أنهم لابد وأن يكونوا الأنساق الأولى لشعب مصر فى صد الهجوم المضاد -كما أفترضه ويفترضه غيرى- الذى تتهيأ له جماعة الإخوان وحلفاؤها وأنصارها لاقتحام الحياة السياسية بغية قنص لسلطة،
الحكم من جديد..!
مهمة هذه الأنساق هى قطع الطريق على غربان الظلام وحداديه، وسد الأوكار والبالوعات التى يختبئ فيها هؤلاء ويكمنون، وأيضا تملك الشارع المصرى فكريا وإعلاميا وعلى الأرض إذا لزم الأمر.
< < <
لا ضير من القلق الزائد، إذا كان البديل هو الرضوخ إلى دعاوى الساخرين من إمكان عودة الإخوان أو الركون إلى أسانيدهم التى لا يقوم عليها دليل واحد بأن الجماعة ماتت ودفنت وقبرت وارتفع على لحدها شاهد ينعى غباءها وفساد حكمها.
حتى الآن لم يُجتث أعضاء الجماعة اجتثاثا من دولاب العمل الحكومى وبعض مفاصله.
حتى الآن مازلنا نكتشف طبقات تخفى طبقات كامنة كنا نظنها تلاشت وتبخرت من الصفوف الرابعة والخامسة من كوادر الجماعة، كلما ظهرت دعوة واهية للخروج أو علت أصوات تحرض على النزول.
حتى الآن.. ترضع زوجات الإرهابيين من أعضاء الجماعة السجناء أو الهاربين، أطفالهن، الحقد على الوطن والشعب وثورة يونيو، وتطعمهن كراهية الحياة وعداوتها.
حتى الآن.. لم تنكسر إرادة إخوان الشياطين، فلم يتوبوا عن جرائمهم وهم لا يتورعون أن يخططوا لارتكاب جرائم جديدة تحت مسميات «حسم» أو «الذئاب المنفردة» أو غيرها من حشرات البرية.
ولن يتحقق كسر الإرادة بالأمنيات ولا بمقارعة الأفكار، مع احترامى لمن يتصور أن المنطق إذا روى بذور المر سينبت نخيلاً وأعناباً.
إنما هو يتحقق بضربات أمنية ساحقة تقتلع وتزيل وتردع وتصيب أى أوهام فى مقتل، وإلى أمد غير منظور.
< < <
علينا إذن أن نختار، ما بين نهاية مطمئنة لطريق صعب، وبين خاتمة كارثية لدرب يسير..!
< < <
ما العمل إذن؟
اقتراحى مبنى على إنشاء منظومة متكاملة أشبه بشجرة ذات أغصان تتعدد وتتشعب كلما ارتفعنا إلى أعلى، لكنها كلها تتفرع من ساق قوية تحملها من أسفل حيث الأرض والتربة الخصبة.
هذه المنظومة أو الشجرة أقترح لها اسم «حركة 3 يوليو».
< < <
قاعدة المنظومة أو ساق الشجرة، هى «طلائع 3 يوليو»، التى تجمع المنضمين للحركة الكشفية من تلاميذ المدارس، بعد إحيائها وتفعيلها خارج الأوراق والوجود المظهرى، ونشرها فى مختلف المدارس الابتدائية والإعدادية، بأقسامها المعروفة تاريخيا (الفتيان، الكشافة البحرية، الكشافة الجوية) بالنسبة للأولاد، والزهرات بالنسبة للبنات.
ميزة الكشافة أنها تنمى وجدان النشء على قيم التطوع وخدمة المجتمع والتسامح ونبذ التعصب والتطرف ومبدأ المساواة بين جميع الأعضاء دون تفرقة بين طبقة اجتماعية ودون نعرات إقليمية، فالملبس واحد للجميع والثواب والعقاب على أسس معروفة تسود الكل.
ولعلى أقترح أن يعاد بناء الحركة الكشفية المصرية ورصد الاعتمادات اللازمة لنشرها فى مدارس الجمهورية بالتعاون بين وزارتى الشباب والتربية والتعليم، والقوات المسلحة ممثلة فى إدارة الدفاع الشعبى والعسكرى للاستفادة من خبرتها فى التخطيط والتنظيم والحشد.
المكون الثانى لـ «طلائع 3 يوليو»، هو الجوالة والمرشدات من طلبة الثانوى الذين تربوا فى الكشافة خلال سنوات الابتدائى والإعدادى، ومعهم أعضاء روابط وأسر طلابية تنشأ بأسماء محددة مثل «أسرة 30 يونيو»، «أسرة تحيا مصر»، أسرة «بلادى»، أسرة «الوطن»، وتتنوع اهتمامات هذه الأسر بين الجوانب الفنية والثقافية والرياضية والخدمة الاجتماعية، وتقوم على أساس فكرى يعتنق عقيدة الوطنية المصرية، ويجرى تنظيم دورات قومية وتثقيف بأعضاء «طلائع 3 يوليو» وفق هذه العقيدة التى ترسخت فى الوجدان المصرى منذ فجر التاريخ وكان أبرز مظاهرها فى التاريخ المعاصر ثورة 30 يونيو المجيدة.
وتجرى انتخابات اتحادات طلاب المدارس الثانوية، من بين مرشحين لأعضاء «طلائع 3 يوليو».
ويتم انتخاب اتحاد لكل محافظة، ثم اتحاد على مستوى الجمهورية، ويشكل أعضاء مجلس إدارة هذا الاتحاد الذراع المدرسية والكشفية فى الهيئة القيادية لـ «حركة 3 يوليو».
وليست هناك مشكلة فى البنية الأساسية من منشآت وملاعب وقاعات ومرافق لاستضافة أنشطة «طلائع 3 يوليو»، فلدينا المدارس بعد ساعات اليوم الدراسى وفى شهور الإجازة الصيفية، ولدينا مراكز الشباب وعددها يقترب من 6 آلاف مركز منتشرة فى قرى ومدن ومراكز المحافظات وعواصمها، ولدينا 609 مواقع ثقافية منها قصور وبيوت ومكتبات عامة.
< < <
تمتد أذرع هذه المنظومة أو أغصان الشجرة، أو ما اقترحت تسميته «حركة 3 يوليو»، إلى سنوات الدراسة بالجامعات والمعاهد وخريجى المدارس الفنية وغيرهم من الشباب الذين بلغوا سن الانتخاب.
ويشمل هذا المكون فى «حركة 3 يوليو»، طلاب اللجان الطلابية المختلفة التى يشرف عليها رائد الاتحاد لكل كلية، بما فيها لجنة الجوالة، وأعضاء الأسر الطلابية الجديدة: «30 يونيو»، «تحيا مصر»، و«بلادى»، «الوطن» وتنشأ نوادى الفكر السياسى كالنادى الليبرالى والنادى اليسارى ونادى فكر الوسط، مثلاً، بشرط أن تكون تلك الأندية من مكونات تحالف «3 يوليو».
ويتم انتخاب مجالس إدارات على مستوى الجامعات والمعاهد لهذه الأسر ونوادى الفكر يشكلون ومعهم أعضاء مجالس إدارات الاتحادات الطلابية المكون الجامعى للهيئة القيادية لحركة «3 يوليو».
< < <
شباب الخريجين وشباب العمال والفلاحين ممن هم تحت سن الثلاثين، يشكلون وفق هذا الاقتراح الذراع الثالثة لـ «حركة 3 يوليو»، وهؤلاء سيكونون المؤهلين للدفع بهم فى انتخابات مجالس إدارة مراكز الشباب والهيئات القيادية العليا لحركة الكشافة والمجالس المحلية بجميع مستوياتها ومجالس إدارة اتحادات العمال والفلاحين الإقليمية والقومية، وكذلك مجالس إدارة النقابات المهنية على مستوى المحافظات ومستوى الجمهورية، وأيضا سيكونون هم الأكثر تأهيلا للالتحاق بالبرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب وغيره من برامج مشابهة سوف تنشأ تحت مظلة الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب، كما سيكون الشباب خريجو نوادى الفكر السياسى للجامعة، نواة سليمة التكوين لتطوير الأحزاب السياسية على أساس فكرى تحت مظلة تحالف 30 يونيو.
< < <
أزعم أن اقتراحى المتواضع يتلافى منذ الآن وحتى عام 2030، تدنى الوعى الملحوظ فى سن النشء والتخبط الفكرى للشباب فى سن الدراسة الثانوية والجامعية، ويعيد تنظيم حركة الدماء الشابة فى مجرى يصب فى مسارات عقيدة الوطنية المصرية ومشروع الدولة المصرية الحديثة الثالثة.. والأولى إذا أضفنا لها وصف «الديمقراطية».
يجنبنا الاقتراح أيضا فتح نوافذ وثغرات تسمح بتسلل عناصر الإخوان المسلمين والقادمين الجدد من أبناء هؤلاء، إلى التشكيلات الديمقراطية فى الجامعات ومراكز الشباب والمجالس المحلية واتحادات العمال والفلاحين والنقابات المهنية، بما يتيح لهم التمترس فى تلك المواقع احتماء بها وتخفيا، ثم الانطلاق لتنفيذ أدوار مرسومة قبيل انتخابات 2030 الرئاسية وما قبلها.
< < <
تعوضنا «حركة 3 يوليو» عن تصحر الحياة العامة وتحجر السياسة وخواء الشارع الحزبى، فدون حاجة إلى قرارات فوقية، سوف تتبخر الأحزاب الكرتونية وأحزاب القش، وسوف تتجمع الأحزاب ذات الفكر والاتجاه السياسى المتماثل فى كيانات وتكتلات قوية تضفى حيوية على الشارع السياسى وتعلى البناء الديمقراطى على أسس سليمة.
وأيضا سوف تمد «حركة 3 يوليو» الأحزاب بدماء شابة جديدة تفيض بالحيوية، وتهيأ لها كوادر قادرة على خوض الانتخابات البرلمانية وقيادات نأمل أن تكون مؤهلة فى انتخابات 2030 أو 203٦ للمنافسة على مقعد الرئيس.
ولا شك أننا حينئذ لن نكون فى حاجة لإنشاء أحزاب المهام المؤقتة، التى يفرض وجودها ضرورة تكوين تكتلات تشكل نواة لقوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية، أو قاعدة لتحالف الأكثرية لها الأغلبية داخل البرلمان.
المهم فى هذا الاقتراح، أو لعله الأهم فى إنشاء حركة 3 يوليو، هو إكساب الدولة القدرة على الحشد عن طريق ربط المجموعات النوعية والأذرع والمكونات الإقليمية وعلى المستوى القومى بشبكة اتصال عن طريق الفضاء الالكترونى والتواصل الاجتماعى وتطبيقات التليفون المحمول، وتنظيم حركة مجموعات الشباب للتوعية العامة أو التعبئة ضد أى مخاطر على الأرض إن لزم الأمر، ولعل قوة الحشد وكفاءة التنظيم وقدرة «حركة 3 يوليو» تنبع من أنها حركة عقائدية قائمة على مبدأ الوطنية المصرية متعدد الروافد الفكرية والسياسية.
< < <
لا أعتبر هذا الاقتراح، وأعنى إنشاء حركة «3 يوليو»، منبت الصلة، أو منقطع العلاقة بسلسلة المقالات التى كتبتها فى هذا المكان على مدى أكثر من عام عن الإصلاح السياسى.
بل أظنه فكرة مكملة لخطوات بدأت، ولعلها تتسارع فى الفترة المقبلة وتتضح معالمها أكثر.
وربما يتيح النقاش العام، حول هذا الاقتراح وغيره، وأفكار تنشيط الأحزاب والدعوة إلى تكتلها أو اندماج المتشابه منها، سواء بالتأييد أو التعديل أو الرفض أو طرح البدائل، مناخا يبدد التصحر ويزيل الجمود الذى ران على الحياة السياسية فى ظل سبات الأحزاب.
نحن فى حاجة إلى أفكار..