حكايات| من كواليس «الحماية المدنية».. عاد للعقار قبل الانهيار بحثا عن الدواء

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

وسط الكارثة يظهرون كأبطال خارقون، يسيرون عكس السير يساعدون الهاربون على الفرار النار، أو يزيلون أطنان من الحديد والكُتل الخرسانية للبحث عن مجرد صرخة تشير إلى وجود أمل للنجاة، إنهم رجال الحماية المدنية. 


لا يعلم من هو بعيد عن الأمر، أن هذه الحالات من الكوارث تحتاج إلى حرفية بالغة من رجال الحماية المدنية في التعامل معها، خاصة أنك لا ترى ما يوجد أسفل الأنقاض، هل هو شخص مازال على قيد الحياة، وإن حدث ذلك فيصفه البعض بالمعجزة، أما عن الاحتمال الآخر أن يكون قد لفظ أنفاسه الأخيرة، لكن في تلك الحالتين يحافظ المختصين على الشخص سواء كان حيًا أو ميتًا.


ماذا يحدث تحت الأنقاض ؟
يقول اللواء علاء عبدالظاهر مساعد وزير الداخلية السابق، للحماية المدنية، في لقاء خاص مع بوابة أخبار اليوم: «لحظات صعبة نعيشها في التعامل مع نوعية هذه القضايا، ولكن القدرة على التحمل في التعامل نوعية بلاغات الإنقاذ هي من سمات رجل الحماية المدنية، لأنها تحتاج أحيانا أدوات قد لا تتوفر لديك مثل أحيانا نطلب من الأهالي (عرق خشب) أو طوب، على حسب الموقف الذي يكون فيه رجل الحماية المدنية».
«مشاعر الأهالي» بين الأمل والخوف.


يكمل اللواء عبدالظاهر: «ضغوط كثيرة نتعرض لها خلال تعاملنا مع حوادث انهيار المنازل القديمة الآيلة للسقوط، أو المنازل التي بٌنيت على أساسات غير سليمة، مما يؤدي إلى وقوع الكارثة، لذلك يجب أن يتحلى رجل الحماية المدنية بسمات معينة منها التصالح مع نفسه، وهدوء حتى يستطيع التعامل مع الأهالي اللذين يتصرفون بانفعال نتيجة النكبة التي تعرضوا لها، وأحيانا تصل الأمور لإهانته وسماعه ألفاظ غير مستحبة، ولكن ذلك بسبب أن الأهالي دائما ما يكونوا في حالة استعجال وخوف، خاصة أن ذويهم تحت الأنقاض ولديهم أمل في أنهم مازالوا على قيد الحياة».

 


 يردون الإساءة بالشكر
من المواقف الكثيرة التي نتعرض لها، في بلاغات الإنقاذ الخاصة بانهيار المنازل، هي أثناء قدومنا إلى مكان البلاغ، نسمع استياء الناس منا، ولكن بعد انتهاء عملنا وخروجنا نجدهم في استقبالنا ليشكرونا بعد إتمام عملنا سواء كانت الخسائر كبيرة أو قليلة، لكن الناس تقدر المجهود الغير عادي الذي نبذله، اللواء عبدالظاهر متحدثا عن التعامل مع الجمهور خلال الكوارث.


رحلة إنقاذ أسفل الأنقاض
أثناء وقوع حادث انهيار عقار، نواجه ضغوطات شديدة من الأهالي منها «طلعوه عشان ندفنه، لا ده لسه صاحي» كل هذه هواجس وأمال لدى الأهالى، في حين أننا نستغرق الجثث بعد يوم أو يومين وأحيانا أكثر، ونحن نعمل التخلص من الكثل  الخرسانية، نشم روائح الجثث، ومع ذلك يردد أهالي الضحايا نفس العبارات المرهقة لنا أثناء عملنا مثل «ده رن عليا بالتليفون»، وما علينا سوى أن نتعامل بهدوء مع غضب وحزن الأهالي، مع أن ذلك قد يؤدي إلى تعطيل عملنا لأنهم أحيانا نبحث وننقب في مكان، ويطلبون منا البحث في مكان آخر، نقابل كل طلباتهم بصدر رحب حتى لا نزيد من همومهم، وغاليا ما تكون آمالهم كاذبة.


«عمرنا ماجرحنا جثة»
يؤكد اللواء عبدالظاهر: «سائقو اللودر (ماكينة التنقيب) لدينا مدربين، كل من عملوا معي في بلاغات الإنقاذ أكفاء، عمرنا ما جرحنا جثة أثناء استخراجها من أسفل الأنقاض، فنحن نعمل مع الأنقاض طبقة طبقة، وطبعا خبرتنا التراكمية يكون لها العامل الأساسي في التعامل مع الحدث، نأخد من هنا ونترك من هناك وأحيانا نستوقف اللودر والكبّاش، ونشتغل بالعمال بواسطة الأيدي خوفا وحرصا من جرح أي جثة، لتحقيق المعادلة الأهم «ماجرحش الجثة المتوفية وماموتهوش لوفيه نفس».


 
قلة الوعي «تقتل»
وعن أصعب اللحظات يقول مساعد وزير الداخلية السابق: «قلة الوعي يتحكم فيه الفقر أحيانا، فمن المواقف التي لا أنساها، عندما ذهبنا لإخلاء منزل آيل للسقوط، نجد شخص من 15 ساكنا، مصمم ألا يخرج من شقته، مثلما حدث معنا في إحدى البلاغات قمنا بإخلاء جميع السكان، إلا أن أحدهم عاد مرة أخرى ليأتي بالدواء الخاص به، واستمرت جثته أسفل الأنقاض ليومين ونحن نبحث عنه، بالتأكيد ده نصيبه أنه يموت، لكنه أساء التصرف ».
 
«معجزة» في منشأة ناصر
التعامل مع استخراج جثث الأنقاض يكون صعب للغاية، خصوصا في المباني ضخمة الارتفاع، لأنها وقت انهيار تتساقط داخل بعضها، الأدوار كلها تتحطم داخل بعضها، وأتذكر حادثة في منشأة ناصر منزل في حارة عرضها 2 متر لا تستوعب دخول سيارة، ولا اللوادر التي تعتبر أداة رئيسية بالنسبة لنا، مما جعلنا نستغرق 4 أيام لأننا نعمل يدوي عن طريق العمال، بـ«الأزمة والفأس والمناشير الكهرباء للتخلص من الكتل الأسمنتية، وأجهزة التنصت» وبالفعل استخرجنا 12 شخصا سليما، و10 جثث، ومن الناجين خرجنا إحدى السيدات كانت تحتمي تحت طاولة خشب في الدور الأرضي في مساحة 50 سم، ولكن كان لديها إصابة بالغة في العمود الفقري.


في بولاق أبو العلا أيضا قام أحد الأشخاص بهدم منزله لبنائه من جديد وكان على مساحة كبيرة، بجوار أحد المنازل، ووقت وضع الأثاث، انهار منزل بأكمله كان ملاصق له، يوجد به شخص واحد، عملنا على مدار يومين حتى عثرنا على جثته، في المياه والطين في أثاث المنزل المجاور.


رسالتنا لله
في ختام حديث اللواء علاء عبدالظاهر، مساعد وزير الداخلية السابق، عما يخص مهام الإنقاذ في حوادث انهيار العقارات، أكد أن الحماية المنية رسالتها لله، قائلا: «نتعامل مع ربنا فقط، لو أنت اعتقدت أنك هتخلص البلاغ مش هتقدر، ولو أصابك الكبر لن تنجح، ولكن توفيق ربنا هو الأهم يسهل علينا الأمور، وأنا شخصيا لما أدخل على مكان فيه حريق لازم أقول الله أكبر، هو ده اللي بينقذنا».