عصر العلم

يوم اكتشاف مجال القمر المغناطيسى

د. فرخندة حسن
د. فرخندة حسن

كان ذلك فى عام 1969 بعد أن عاد رواد الفضاء الأمريكيين بأول عينات من صخور وتربة القمر. كنت فى ذلك الوقت أقوم بتحضير رسالة الدكتوراه فى مركز جامعة بتسبرج لبحوث الفضاء بولاية بنسلفانيا فى الولايات المتحدة 000 كان المركز واحداً من أحد عشر مركزاً على مستوى العالم وقع عليها الاختيار لتقوم بدراسة خصائص صخور القمر. كنت مسئولة تحت إشراف أستاذى رحمه الله عن الخصائص الكيميائية وهو ما تم تناوله فى مقال سابق وفى المعمل المجاور لمعملى كان معمل البروفيسور اليابانى الشهير نجاتا المتخصص فى مجال الجيوفيزياء وكان يلقب بأبو علم مغناطيسية الأرض والكواكب. كان البروفيسور نجاتا يأتى كل صباح فى تمام الساعة الثامنة ويترك معمله فى تمام الساعة الخامسة إلا عشر دقائق وأسمع صوت غلق باب المعمل عالياً فى ذلك الوقت فأنظر إلى الساعة لأجدها دائماً خمسة إلا عشرة بالدقيقة فأهرع وأجمع أغراضى وأنزل بسرعة إلى خارج المبنى حيث كان زوجى رحمه الله ينتظرنى دائماً فى تمام الساعة الخامسة. سألت نجاتا عن سر هذا الانضباط فقال لى لأنى أتناول مشروبى من البيرة فى تمام الساعة الخامسة فى المحل المقابل لمبنى الجامعة ولا يمكن أن أسمح لأى ظرف أن أغير هذا الموعد مهما كان 000 فكنت أضحك بالطبع، وهكذا كانت تمر الأيام.

فى ذلك اليوم لم أشعر إلا وأن أحد حراس المبنى يقول لى أن زوجك ينتظرك من فترة أسفل المبنى. نظرت إلى الساعة وجدتها خمسة وعشر دقائق فنزلت بسرعة ووجدت زوجى غاضباً واعتذرت له بأنى لم أسمع باب البروفيسور نجاتا يغلق ليذهب ليشرب البيرة وأن معمله ما زال مفتوحاً. طبعاً لم يقتنع زوجى بهذا العذر الذى هو فعلاً عذراً واهياً 000 جلسنا أمام التليفزيون فى المساء بعد أن انتهيت من أعمالى المنزلية، لنسمع أخبار الساعة الثامنة ليكون الخبر الأول وهو أن جامعة بتسبرج تفتخر أن عصر اليوم اكتشف البروفيسور نجاتا أن للقمر مجالاً مغناطيسياً لم يكن معروفاً 000 لم يكن يمنع البروفيسور نجاتا من تناول مشروبه المفضل سوى هذا الاكتشاف العظيم الذى هللنا له جميعاً نحن تلاميذه وباقى أسرة الجامعة التى تم الاكتشاف فى رحابها. والمهم هنا أن غضب زوجى زال تماماً بل غمرته سعادة بالغة فقد كان رحمه الله أستاذ الجيولوجيا وعميد كلية علوم جامعة القاهرة ويعرف مدى أهمية هذا الاكتشاف. كان لاكتشاف المجال المغناطيسى للقمر أثر كبير على جهود البحث العلمى حول تركيب القمر الداخلى وهو ما يؤثر على خصائصه بدرجة كبيرة 000 فوجود مجال مغناطيسى للقمر يدل على أن فى جوفه قلبا سائلا مثل قلب الأرض، فلقد ثبت أن وجود قلب سائل فى جوف الأرض هو سبب نشأة مجالها المغناطيسى 000 وكان قد تم التأكد من هذه الظاهرة قبل ذلك بمدة من خلال البحوث التى للبروفيسور نجاتا باع طويل فيها.

فتح هذا الاكتشاف باباً واسعاً فتوالت الأبحاث على صخور القمر بعد ذلك وألغى عدد من النظريات السابقة وتنشأ نظريات جديدة تأخذ فى الاعتبار ما استجد من معلومات لتغيير تقييم وتقدير وتحديث كل صفاته وخصائصه، ومن أهمها تحديث حساب كتلة القمر00 كما تم حساب جاذبيته التى وجدت أنها سدس جاذبية الأرض، وهو ما يعنى أن وزن الإنسان على القمر يُقدر بسدس وزنه على الأرض00  والجاذبية هى القوة المهيمنة على الكون لتجعله متماسكاً.