بالشمع الأحمر

هذه.. ليست ليلتها !

إيهاب الحضري
إيهاب الحضري

بالتأكيد كانت تشعر بالخوف من المواجهة، لكنها تقدمت بثبات تدعمه موهبتها، وواجهت ثلاثة من كبار المطربين، أعطوها ظهورهم وفق طبيعة البرنامج الذى تبثّه فضائية شهيرة. علا صوت الطفلة هايدى محمد بثقة لا تخلو من رهبة، وشدت برائعة أم كلثوم «هذه ليلتى». مع صيحات الجمهور المنبهر بشدوها أحست تدريجيا أن هذه ليلتها بالفعل، فزاد تألقها بعد أن تنامى الأمل بداخلها. مضت الثوانى بطيئة، فى انتظار أن يستدير أحدهم مُعلنا تبنّى موهبتها، ومع انتهاء المقطع انهمرت دموعها، فقد تجاهلها المُحكّمون الثلاثة رغم فرادة موهبتها.


ما حدث أصابنى بالغيظ، غير أنه كان يُمكن أن يمضى دون أن يثير دهشتى، لأننى أدرك أن هذه هى طبيعة المسابقات فى منطقتنا العربية، فقد تمنح من لا يستحق وتحرم من هو أكثر منه جدارة، لكن المشكلة تصاعدت بداخلى عندما بدأ المحكّمون مسرحية مُصطنعة، فأعلن كل منهم ندمه لأنه لم يقم باختيارها، رغم أنهم استداروا قبل ذلك وبعده للاحتفاء بأصوات أقل تميزا منها بكثير!


خلال سنوات متابعتى لهذه النوعية من البرامج، ظللتُ أعترض على أسلوب التصويت المُتبع فى الحلقات الأخيرة بهدف اختيار نجم العام، لأن رسائل المحمول تعتمد غالبا على الانتماءات الإقليمية أكثر من تحيّزها للموهبة، وهو أمر يضعه صُنّاعها فى اعتبارهم خلال التصعيد فى المراحل المختلفة، حيث يظل التصنيف حسب الأقطار فى الأذهان، لكى لا تتآكل «كعكة» الإيرادات، التى تظل هدفا أساسيا تتراجع أمامه أية أهداف أخرى، لكن الجديد هذا العام أن يقع الظلم من اللجنة المتخصصة وليس من الجماهير المُتحيزة، بعد أن تجاهل المطربون الكبار المعايير الفنية، واستعانوا بعدها بتعبيرات وجه مُفتعلة، وعبارات مُتقطعة يعربون بها عن ندمهم لعدم اختيارها. وبعد أن تصاعدت موجة انتقادات للبرنامج على مواقع التواصل الاجتماعى، خرج أحدهم ليُطلق تبريرات تُلمح إلى أن ما يراه الجمهور على الشاشة مجرد تمثيلية، فبعد أن يكون كل منهم قد انتهى من اختيار أفراد فريقه، يستمر التسجيل مع باقى المتسابقين، دون أى أمل فى اختيارهم، ويجرى الاتفاق معهم على عرض فقراتهم، التى تتم إعادة ترتيبها وفق مونتاج لا يرتبط بالترتيب الزمنى للتسجيلات. مما يوحى بأن المطربة الطفلة كانت على علم بأنها خارج الاختيار، لكن دموعها أخلت بالاتفاق المُسبق وأثارت الجدل!


فوجئ صُنّاع البرنامج بأن جمهورا ينتمى للأغلبية الصامتة خرج عن صمته، وتناسى هؤلاء أن المتابعين الذين ينفقون ملايين الجنيهات على «بيزنيس» رسائل دعم المتسابقين، يمكن أن يشعلوا ثورة قد تُهدد ميزانية البرنامج، إذا شعروا أنهم مجرد كومبارس فى تمثيلية مكتوبة سلفا، تُحيلنا إلى نتائج انتخابات سابقة التجهيز، شهدتها بلداننا العربية فى عقود سابقة، تخرج بعدها النتيجة لتمنح الغالبية المطلقة للمرشح الأوحد!


بالتأكيد من حق البرامج أن تسعى للربح حفاظا على وجودها، لكن الفن ينبغى أن يكون حاضرا بقوة ووفق معايير عادلة، تتيح للموهوبين الحق فى الانتشار، وتمنحهم قبلة الحياة فى زمن أصبح أكثر انحيازا لأنصاف المواهب، لأن نتائج الإخلال بهذا المعيار كارثية، قد تنتهى بإصابة المتميزين فى كافة المجالات بالإحباط، وهو مصير يضرب أى طموح فى مقتل، خاصة أنه لا يقتصر على الساحة الفنية فقط، بل يمتد إلى كثيرين فى كافة القطاعات. سيبقى صوت هايدى متألقا، وسوف تتذكر ذات يوم تلك الليلة التى لم تكن ليلتها، وهى تستحضر مُبتسمة قصة نجاحها، الذى حققته بفضل موهبتها وإصرارها فقط، ولو كره المُحكّمون!!