حبوا بعض

جامعة القاهرة

أمنية طلعت
أمنية طلعت

خمسمائة جنيه كاملة! مبلغ ضخم استقر فى يدى بعد أن فتحت الصندوق الخشبى الصغير الذى اشتريته فى العام الأسبق كى أبدأ فى ادخار المال تدريجياً، لأضع ما تيسر لى داخله، كابحة جماح نفسى عن عد كمية ما ادخرته من أوراق مالية ومعدنية من فئة الخمسة والعشرة قروش والربع جنيه، وأمارس كافة أنواع القمع على ذاتى حتى لا تمتد يدى إليه عند الحاجة، فكثيراً ما كان مصروفى ينتهى قبل أول الشهر الجديد، ولم تكن لدىَّ رفاهية المطالبة بزيادة مالية من أمىالتى تتدبر أمورنا بشق الأنفس، حيث كنت أعيش بعيداً عنها لمواصلة دراستى بكلية الإعلام جامعة القاهرة.
كان ذلك فى يناير عام 1992، قبل بدء معرض القاهرة الدولى للكتاب، حين فتحت صندوقى الخشبى لأعد ما به بعد مرور عام كامل منذ المعرض الأسبق وقرارى بأن أبدأ فى ادخار المال لمدة عام حتى أتمكن من شراء كل الكتب التى أحلم بها بعد أن أصبت بخيبة كبيرة فى عدم قدرتى على الحصول على أى كتاب آنذاك.
حتى الآن تدغدغ الذكرى مشاعري، فربما كانت اللحظة التى قبضت بكفى على الخمسمائة جنيه، واحدة من أهم اللحظات المشرقة فى حياتي، فلقد تُرجمت النقود إلى عناوين وأغلفة كتب فى مخيلتى فوراً، وشرعت فى إعداد الخطة التى بها سأذهب إلى المعرض يومياً والتجوال بين السرايات المختلفة، لشراء كل ما يمكننى الحصول عليه، وهو كثير بالمناسبة، فلقد كانت الخمسمائة جنيه تشكل مبلغاً مالياً ضخماً فى ذلك الوقت.
أحاول تذكر العناوين التى اشتريتها الآن، فلا يحضرنى سوى الديوان الكامل للشاعر حافظ إبراهيم والذى مازال يستقر فى حضن مكتبتي، وكذلك مسرحيات صلاح عبد الصبور وبيرم التونسى الشعرية، وديوان أبو القاسم الشابي، وروايات إبراهيم عبد القادر المازنى وبعض من عبقريات العقاد. كنت أجمع الكتب من أجنحة المعرض كجائع أرسل الله له آلافا من موائد الطعام العامرة بألذ وأطيب صنوف الطعام، فها أنذا أخيراً أمتلك المال الذى يمكنه أن يشبع بعضا من جوعى المستعر للمعرفة والعلم، حيث كنت قبل ذلك أعتمد على كتب المكتبات العامة والكتب المبيعة لدى باعة الجرائد ولم أكن قد وجدت طريقى بعد إلى سور الأزبكية.
منذ ذلك الوقت وأنا أستعد طوال العام من أجل معرض القاهرة الدولى للكتاب فأدخر المال من أجل أن أتمكن من قطف الثمار بحرّية عندما يبدأ، وأتاح لى الله أن أجوب بلاد الله لأقطف ثمار المعرفة من مكتبات العالم. فما أحلى المعرفة وما أطيب الكتاب!