حبر على ورق

الأستاذة مفيدة عبد الرحمن

نوال مصطفى
نوال مصطفى

منذ أيام احتفل «جوجل» بذكرى مولد الأستاذة مفيدة عبد الرحمن الـ 106. أسعدنى جدا هذا الالتفات المحترم لرمز رائع وقدوة مضيئة فى تاريخ المرأة المصرية. أعادنى هذا إلى ذكرى غالية جمعتنى بها، كان ذلك قبل رحيلها عن دنيانا بعدة سنوات، عندما أجريت معها حوارا إنسانيا طويلا وعميقا تطرقت فيه إلى جوانب عديدة فى حياتها، وفتحت هى قلبها وخزانة ذكرياتها لتبوح، وتروى أجمل قصة لفتاة مصرية ذكية وطموحة، لم يستطع شيء أن يحد من أحلامها، ورغم ذلك كانت أمًا حنونًا لتسعة أولاد وبنات وجدة لعشرين حفيدا وزوجة رائعة لرجل أحبها وآمن بتفردها ودورها فكان خير سند وداعم لنجاحاتها المبهرة.


تقول فى الحوار: كنت أنزل لمقابلة جمال عبد الناصر ومعه بومدين أو خروشوف وأنور السادات. وقبل أن أغادر منزلى لمقابلة هؤلاء العظماء كنت أمسح حذاء زوجى بيدى، رغم أن بيتى به خدم إلا أننى كنت أحب أن أشعره بأننى زوجته قبل أن أكون محامية شهيرة وعضو مجلس أمة بارزة.


هكذا تروى مفيدة عبد الرحمن لفتة ذكية من الدروس العظيمة فى حياتها التى كان يحسدها الجميع عليها، فهى برغم نجاحها العام استطاعت أن تحقق المعادلة الصعبة فى الجمع بين السعادة فى الزواج والوصول إلى قمة النجاح فى العمل.


قصتها تحتاج إلى أن تروى ويتأملها شبابنا الآن، إنها الأستاذة مفيدة عبد الرحمن، المحامية المصرية التى استطاعت أن تحتفظ لنفسها بلقب «الأولى» فى أكثر من خطوة فى حياتها. كانت أول فتاة تدخل كلية الحقوق عام 1935 وبعد تخرجها كانت أول امرأة تمارس مهنة المحاماة فى مصر وتفتح مكتبا خاصا بها، وأول سيدة تشغل منصب عضو بمجلس إدارة بنك الجمهورية فى أبريل 1962. وأول سيدة مصرية تستمر عضوا بمجلس الأمة «مجلس النواب فى ذلك الوقت» 17 عاما متصلة.
كما كانت أول محامية فى العالم العربى تترافع فى المحاكم العسكرية، وأول محامية تقيد بالنقض. رغم كل النجاحات دام زواجها لـ 48 عاما إلى أن توفى زوجها بعد ملحمة حب رائعة جمعتهما، يكفى «ألبوم الخطابات والذكريات» التى ظلت تحتفظ به حتى آخر يوم فى حياتها، ولهذا الألبوم قصة، فقد كانت فى سفراتها للخارج كممثلة لمصر فى المؤتمرات العالمية سواء البرلمانية أو النسائية تقدر حزن زوجها المحب وتشجيعه لها فى نفس الوقت، فكانا يتفقان أن يرسل كل منهما خطابا للآخر كل يوم، واحتفظ كل منهما بألبوم الخطابات الخاص به، وعندما مات الزوج ظلت الأستاذة مفيدة تحتفظ بالإثنين، وكانت قلقة أثناء الحوار معى قالت «أخشى أن أموت ويصبحا فى متناول الأيدى، أنا اعتبرهما مقدسين».


عن أشهر القضايا التى ترافعت فيها قالت لى: أنا لا أستطيع قبول أى قضية دون اقتناع كامل بموقف موكلى، فأحيانا تقوم المحكمة بتكليف المحامى بالترافع عن موكل فقير، وليس لديه القدرة المالية لتوكيل محام، وهذا يعتبر تكليفا من المحكمة ولابد أن يؤديه المحامى وإلا دفع غرامة، وأصبحت سابقة سيئة فى تاريخه.


وفى إحدى المرات كلفت بالترافع فى قضية سيدة قتلت زوجها بالتعاون مع عشيقها، قرأت أوراق القضية فوجدتنى ضد هذه السيدة التى سوف أدافع عنها، لم أستطع قبول القضية بعد أيام عشتها فى صراع بين القبول أو الغرامة، وفى النهاية ذهبت إلى المحكمة وقدمت اعتذارى المسبب.


هكذا كانت مفيدة عبد الرحمن التى حاورت الرؤساء وزاملت الزعماء فى المحافل الدولية مثلا مشرفا للمرأة المصرية التى نفخر بها. ولمعرفة المزيد عن قصتها يمكنكم مطالعة كتابى «رحلة إلى أعماقهم» الصادر عن دار أخبار اليوم.