خارج النص

الصناعة اللقيطة !!

أسامة السعيد
أسامة السعيد

نستقبل بعد ساعات الدورة ٥١ لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وهو حدث سنوى مهم يترقبه «المغرمون» بالقراءة، والذى «سيغرمون» كثيرا بسبب أسعار الكتب التى باتت تمثل عبئا حقيقيا على ميزانية المثقفين وعشاق الاطلاع!.. وإذا كانت المقولة المأثورة أن القاهرة تكتب وبيروت تطبع، والعالم العربى كله يقرأ (باختلاف تنويعات العواصم)، فإن الواقع يبدو اليوم كثير الاختلاف، فالعواصم العربية لم تعد تقرأ سوى لافتات الاحتجاج ومنشورات الغضب الطائفى والسياسي.


والمثقفون لم تعد لديهم رفاهية التجول بين المكتبات، فالشوارع مغلقة أو مهددة، والمكتبات ما عاد مُرحبا بها فى شوارع العرب، وبيروت خفت فيها هدير المطابع أمام صراخ المتظاهرين، أما القاهرة التى كابدت من أجل استعادة استقرارها، فلم تعد صناعة الثقافة فيها ذات أولوية، فمؤسساتنا الثقافية الرسمية محملة بأعباء تاريخية هائلة تجعلها تئن من وطأة نقص الإمكانيات وتضخم جهارها الإدارى، وتبدو كسفينة مثقلة بالمشكلات تشق طريقها وسط الرمال، ومع ذلك فبقاؤها ضرورة وإصلاحها واجب لإنقاذ ما تبقى من العقل المصرى، ومن ورائه العربي..

أما دور النشر الخاصة فقد تحولت إلى «بيزنس» يقدم «اللى عايزه» الجمهور، على طريقة السينما الرخيصة، وتطالب المؤلف - الحلقة الأضعف دائما- بأن يواكب تحولات الذوق، فتتصدر روايات الرعب مشهدا لا يحتاج مزيدا من الرعب، وتدفع السوشيال ميديا كُتابا لا تتجاوز قدراتهم حدود كتب الأرصفة، ومعارف صفحات الفيس بوك إلى قائمة «الأكثر مبيعا»!! صناعة الثقافة أصبحت صناعة لقيطة، يتنصل منها الجميع، ويلقى بالاتهامات على غيره، مع أن تلك الصناعة كانت أهم أسباب قوتنا، فقوة مصر الناعمة كانت تكمن دوما فى ثقافتها، ويمكن أن تتحول تلك الصناعة إلى «منجم ذهب حقيقي» إذا ما أحسنّا استغلالها، فدولة مثل إيطاليا يزورها ٩٤ مليون سائح سنويا للاستمتاع بثقافتها، والنمسا يأتى إليها أكثر من ٣٥ مليون سائح ليزوروا متحف موتسارت ومنشآت فيينا الثقافية، بينما نحن بكل إمكانياتنا الثقافية والسياحية نقيم الأفراح إذا ما تجاوزنا حاجز العشرة ملايين سائح، معظمهم يأتون للاستمتاع بشواطئنا ولا يعرفون شيئا عن ثقافتنا!!