من باب العتب

خلافة برائحة الموت..!

د. محمود عطية
د. محمود عطية

لا أندهش فقط ممن يغالطون أنفسهم وحقائق التاريخ المجردة وبكل زهو يتمنون عودة الخلافة العثمانية على يد الديكتاتور التركى الجديد إردوغان.. وأشعر أيضا نحوهم بالأسى ولأفكارهم البائسة أحس بالخزى والعار.. فهم يتصورون أنهم بتمنياتهم تلك يعزون الإسلام وسوف يقوى بهذه الخلافة ويسود العالم ويعود له مجده القديم من جديد ويستولى على بقاع عديدة فى الأرض.. كأنهم مغيبون أو مغمى عليهم ولا يدركون ما حدث فى العالم من تطور حضارى فى القرون الأخيرة وغير مسبوق من قبل حتى أصبحت السيادة الحقيقية لدول العلم والتكنولوجيا الحديثة وليس لظلال السيوف العثمانية وفروسية الفرسان.
ولا أفهم بأى وجه يأملون ويباركون عودة العبودية العثمانية كأنهم قد اعتادوا الذل والهوان وارتاحوا تحت ظلال الاستعباد.. ونسوا مفاسد بنى عثمان الذين داروا فى البلاد تقتيلا وتذبيحا ومعاقرة للخمور ونشرا للواط وسرقة ونهب الآثار فى كل البقع العربية.. من يدعون ويباركون للعودة العثمانية لا يستوعبون حقائق التاريخ ولا يطالعون آثار الخراب التى حاكها الغازى العثمانى تحت ظلال اقتحامه أسوار البلاد ناشرا رائحة الموت بين الشعوب باسم الخلافة العثمانية.. وما خلفه من تخلف يبدو أنه مازال يسكن بعض عقولهم.. وكان يكفيهم قراءة عجلى غير متأنية لما كتبه المؤرخون المعاصرون للغزو العثمانى حتى يدركوا ضحالة وبؤس تفكيرهم..!
فما خطه مؤرخنا المصرى ابن إياس عن الغزو العثمانى لمصر وما سوده من صفحات مليئة بالعديد من الفظائع الشيطانية البشعة التى اقترفها سليم الأول وجنوده من قتلِ الشيوخ والأطفال، وسبى النساء، واسترقاق المسلمين منهم قبل غيرهم، ومجاهرة الجنود العثمانيين بشرب الخمر فى نهار رمضان، وارتكاب الجرائم البشعة التى أغفلها عمدا من يدعون للعثمانية ونسوا تدوينها فى كتبهم حين تحدثوا عن سليم الأول وغزوه لمصر والتنكيل بها، وإسقاطه دولة المماليك، ناهيك عن أنه سعى لتدمير البنية الاقتصادية المصرية، حين اقتاد أصحاب الصناعة والحرفيين إلى إسطنبول، من دون أن يفكر فى مصير هذا القطر العربى اقتصادياً، وما أورثه تصرفه.. وكأنهم لم يسرقوا أمهر العمال ويرحلوهم قسرا إلى اسطنبول تاركين بلادهم الأصلية ليعمروا عاصمة الخلافة المزعومة.
وكان الأولى والأجدر لابن إياس أن يداهن السلطان الغازى ويعدد محاسنه حتى ينال عطاياه لكنه آثر أن يكون صوت الحق الناقل لما حدث من مآس تشهد على عنف وغباء هذا الغزو.. فهم ليسوا حماة الإسلام ولا حماة الوطن كما يتخيل البعض.. وكما يحاول إردوغان تسويق نفسه وبلاده.. فقد لعب نفس اللعبة جده عبد الحميد الثانى واخترع ما أطلق عليه الجامعة الإسلامية حتى يحافظ على مكتسبات أجداده الاستعمارية بعد خسارتهم المريرة فى الساحة الأوربية وبداية أفول دولتهم العثمانية... والصورة الحقيقية والوعى التاريخى يجعلنا نندهش ممن يتشدقون بالدعاية العثمانية وتعديد مآثرهم للعرب والمسلمين.. وكأن البعض يحن للعبودية والذل ويتوق للاستعباد..!
ألم نقرأ تاريخ بنى عثمان ونفهم ونستوعب أنهم مجرد بدو بلا تاريخ ولا أصالة.. وهم مجموعة قبائل تحتمى بالعصبية القبلية استطاعت فى حمأة بازغة ووسط ظروف سياسية معقدة سانحة وباستخدام الدسائس الاستيلاء على الرقعة العربية وإنهاء دولتها.. ويشهد التاريخ أنهم كسبوا حروبهم واحتلوا البلاد بالدسائس وبنشر رائحة الموت فيها.