حكايات| مآذن في رقبة «جاكلين».. مهندسة مسيحية معلقة بين مساجد القاهرة

 مآذن في رقبة «جاكلين».. مهندسة مسيحية معلقة بين مساجد القاهرة
مآذن في رقبة «جاكلين».. مهندسة مسيحية معلقة بين مساجد القاهرة

على أبواب مساجد القاهرة قدمت أوراق اعتمادها كـ«سفيرة للدين المسيحي»، آمنت بأن الترميم «حياة بلا دين»؛ بل عقيدة لإحياء الجدران والأعمدة والمآذن «الميتة».

 

جاكلين عزيز مهندسة خرجت من حواري حي شبرا بالقاهرة؛ حيث ذابت فروق بيوت المسلمين والأقباط، لتحمل من اسمها صفة في عملها كمهندسة ترميم، وتؤمن وتعز قيمة كل أثري قديم.

منذ نعومة أظافرها، فتحت «جاكلين» عينيها على أب يعمل في مجالات المقاولات، مسيحي الديانة لكن لسانه وسط عماله يردد «صلي على النبي»، فباتت كافة الديانات تذوب على السقالات.

 

باختيار مفاجئ لها من وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة، باتت «جاكلين» أول مهندسة مسيحية متخصصة في ترميم المساجد الأثرية والتاريخية بالقاهرة.

 

رحلة مثيرة 

 

في كلية الآثار جامعة القاهرة، تخرجت «عزيز» كمتخصصة في ترميم الآثار؛ حيث كانت بداية عملها بمركز البحوث الأمريكي، قبل أن تلتحق بشركة المقاولون العرب.

 

 

قاد تعيين «جاكلين» بالمجموعة رقم 5 في الشركة، إلى تخصصها في ترميم المساجد الأثرية بشارع المعز التاريخي، قبل الانتقال إلى مرحلة الإشراف على ترميم مسجدي الشيخ البحري والإمام الليثي.

 

تفتخر المهندسة المصرية «الأصيلة» بأن عملها لم يقتصر يوماً على ترميم المساجد فقط؛ بل حصلت على جائزة الترميم  الدولية من الولايات المتحدة الأمريكية عندما أشرفت على ترميم كنيسة مارجرس اليونانية المعلقة في مجمع الأديان بمصر القديمة.

 

الترميم بلا دين

 

مع توغل «جاكلين» في أسرار مهنة ترميم المواقع الدينية الأثرية، تزايد إيمانها بأن عملها «ليس له دين»، يخدم كافة الأديان، وإن ظل ضميرها حيًا للمحافظة على كل مبنى أثري قديم.. «أنا عاشقة للحضارة الإسلامية».

 

 

بين مئات مباني القاهرة الخديوية، يقف سور وزارة الأوقاف محتفظًا بطراز إسلامي من نوع خاص، ربما لا يدرك من يخطفهم ألوانه وتصميمه أن وراء حمايته مهندسة قبطية اسمها «جاكلين»، فمن هنا بدأت رحلتها بين مساجد القاهرة التاريخية.. «الحقيقة أنا فوجئت بمعاملة طيبة وحسن استقبال داخل الوزارة بعد تكليفي من المقاولين العرب بترميم السور».

 

ما إن انتهت «جاكلين» من ترميم السور فوجئت باتصال هاتفي من مكتب الوزير محمد مختار جمعة يخبرها بدعوتها للقاء، وفيه فوجئت بتخصيصه مكتب لها بديوان الوزارة، وكلفها بترميم 11 مسجدًا أثريًا، مثل «الرفاعي والٌإمام الشافعي في السيدة عائشة، والفتح بعابدين، وتطوير مئذنة مسجد الفتح برمسيس».


 

 

تقول المهندسة القبطية إنها تدرس تاريخ كل مسجد قبل ترميمه لمعرفة تاريخه الأثري فالفن الإسلامي غني للغاية بعناصره وزخرفتها، مؤكدة أنها عندما تدخل أي مسجد لترميمه تشعر براحة نفسية وسكينة.

وما بين هذا وذاك، تؤكد جاكلين أن الدين لا يقف حاجزًا أمام الفن وخير دليل على ذلك أن مجموعة العمل معها جميعهم مسلمين ولم تشعر أبدا باختلاف الأديان، وعملها بتفاني في المساجد خير دليل على ذلك؛ بل إن فريقها المسلم هو من تولى ترميم الكنيسة المعلقة وحصل معها على الجائزة.

 

اشتهرت جاكلين وسط صديقتها في الكنيسة بأنها «خير سفيرة عن الدين المسيحي»، الذي تراه أن أعمدة التسامح والعفو أهم ما يميزه.

 

ثعابين «الفتح»!!

 

في قلب تنزانيا، كان لـ«جاكلين» مهمة رسمية بتكليف من وزير الأوقاف، وهي تطوير المركز الثقافي الإسلامي، لكن أبرز ما لفت انتباهها هو ذهول أبناء هذا البلد حين رأوا مهندسة مسيحية تتولى ترميم مواقع إسلامية.

 

تنتقل «جاكلين» سريعاً إلى قصة ترميم مسجد الفتح بعابدين، والذي حولته من مستنقع للثعابين والعناكب إلى تحفة إسلامية.. «سعيت بكل ما أملك للحصول على موافقة لترميمه».

 

كان المسجد في بدايته زاوية صغيرة ثم حولها الملك فؤاد لمسجد تم بناؤه على التراث العثماني، ثم تعرض لإهمال لـ70 عامًا، رغم أنه تحفة معمارية.