قصور تاريخية| «نوبار باشا».. قصر داخل مدرسة بالشرابية

نوبار باشا
نوبار باشا


«القصور المصرية.. جواهر منسية.. كنز لايعرف قيمته الكثيرون ولم يقدره المسئولون بعد.. مبان ليس فى غاية الروعة والجمال.. شيدت على مر العصور وشهد لها التاريخ بعظمة البناء.. ولكن بعضها ضاع وسط ركام الإهمال واللامبالاة.. بعد أن شيدها الأجداد وتناساها الأبناء..وأصبحت فى خبر كان، وتوارت قيمتها خلف الإهمال والفوضى.

وتبدلت من أيقونات مضيئة يتحدث عنها القاصى والدانى إلى قصور مهجورة ، يسكنها الأشباح وتلال القمامة تحتلها ، وبعد أن كانت مزارا سياحيا أصبحت مأوى للبلطجية والكلاب والحيوانات الضالة..والباعة الجائلين والمتسولين..

«بوابة أخبار اليوم» تستكمل فتح ملف القصور المنسية ورصدت فى جولة جديدة حال بعض هذه القصور والتى لم يشفع لها تاريخها أن تكون فى حسبان من يقدر هذا التاريخ.. وتواصل دعوتها فى وضعها على خريطة السياحة.

بالقرب منطقة الضاهر وبالتحديد من منطقة الشرابية وتحديدا بجوار مستشفى غمرة العسكرى يقع قصر « نوبار باشا « ذلك البناء الشامخ الذى تحطمت أجزاؤه وغرق فى بحور الإهمال ، يبلغ هذا القصر نحو 134 عاما أنشأه «باغوص نوبار باشا نوبريا» وهو من أصل أرمنى، كان والده أول رئيس وزراء لمصر فى عهد محمد على.

وقد أبدع نوبار باشا فى تصميم هذا القصر وبهرجته بأثمن التحف والأنتيكات، كما اختير مكان القصر بجانب مستشفى الطائفة الإسرائيلية وقتها، والتى تحولت الآن إلى مستشفى غمرة العسكرى.

ويذكر ان تاريخ هذا القصر مر بثلاث عصور متتالية، بدا فيها العصر الثالث هو الأكثر سوءا وإهانة فى حق هذا الإبداع والجمال الذى حملته جدران قصر نوبار باشا منذ إنشائه ، فقد أنشئ هذا القصرعام 1885 كما كان العصر الأول هو أزهى عصوره وهى منذ تاريخ إنشائه وحتى عام 1952 حيث أصدر حينها قرارا باستغلال القصر للمنفعة العامة وهنا دخلت المرحلة الثانية وأصبح يعانى نفس مصير ومعاناة كافة القصور التى أنشئت فى عصره، بعد أن تحول إلى مدرستين الأولى مدرسة الظاهر الإعدادية بنات، والتى استغلت مبنى القصر نفسه، والثانية مدرسة الظاهر الثانوية بنين والتى أقيمت على المساحة المخصصة لإسطبل الخيول والأرض الملحقة به، وخضع القصر بعدها للإشراف وزارة التربية والتعليم تمارس عليه كافة أنواع الإهمال، فتبدل الحال وأخذ القصر يفقد رونقه تدريجياً وسرقت كافة تحفه ودمر التاريخ وضاعت معالم تلك التحفة النادر.

أما المرحلة الثالثة وهى بعد زلزال 1992 حيث دمر القصر تماماً وهدم من الداخل وأصبح مرتعا للحشرات والزواحف السامة، ناهيك عن الأساطير التى تدور بين أهالى المنطقة حول الأشباح التى تظهر فيه ليلا ونهارا، وأصبح الصدى يأكل القصر شيئاً فشياً، وما عليها وزارة التربية التعليم إلا أن قامت ببناء ملحق لمدرسة الظاهر الإعدادية بنات لنقل الطالبات فيها وعمل سياج حديدى حول القصر لمنع مرور الطالبات تخوفاً من سقوطه.

تاريخ حافل

كل ماسردناه من تاريخ حافل لقصر «نوبار باشا» شهد على عظمته وروعة تصميمه وفخامته، دعانا لزيارته الآن ومحاولة الدخول إلى أدغاله بالرغم من كون هذه الزيارة ليست أمرا هينا على الإطلاق، لم نستطع الدخول من إحدى بوابات القصر فى البداية حيث أشرنا من قبل إلى أن القصر اتقسمت بعض أجزائه لمدرستين البنين والبنات، وأحيط الجزء المتبقى من مبنى القصر الداخلى بأسوار حديدية لتجنب الأذى فى حالة انهياره، فدخلنا إلى مدرسة البنين وكان حينها الحارس نائما فلم يسألنا أحد عن وجهتنا، استقبلنا التلاميذ بحفاوة شديدة حيث حتى أنهم تركوا اللعب بكرة القدم التى انهمكوا فيها بعد انتهاء اليوم الدراسى وأخذ كل منهم يحدثنا عن معلوماته عن هذا القصر، ومحاولاتهم الدائمة لتسلق اسواره واستكشاف معالمه التى طمسها الخراب.

الحقيقة أن هؤلاء التلاميذ كانا خير مرشد لنا فى معاناة تسلق أسوار القصر والدخول له ، فقد عانينا أشد المعاناة فى الوصل إلى داخله، وحينها دخلنا إلى مستنقع من الخراب والفوضى ، ظلام دامس يعتم على المكان، يقطعه أشعة رفيعة للشمس تخترق نوافذ القصر البالية، كان البوم فى استقبالنا فور الدخول حيث استوطن المكان واتخذ منه مخبأ آمنا وبيئة منعشة وصالحة له حيث الظلام والخراب وكافة أنواع الزواحف، استمررنا فى الزحف لداخل حيث بقايا ورق الحائط التى انهكت فى خطوط مستقيمة كما لو أنها دموع جارية ارتسمت على جدران القصر، يمينا تجد «بيانو» متهالكا ترتع فيه الزواحف بعد ان داعبته فتاة القصر بأناملها طويلا، بالإضافة إلى بقايا سلم القصر الذى بدت عليه بعض آثار الرخام الفخم والنقوش المبدعة، غادرنا القصر بعد أن بدأنا فى ملاحظة بعض الزواحف السامة والخطيرة التى بدأت فى الظهور.

والسؤال: هل سيظل قصر نوبار أسير النسيان والإهمال أم أن هناك من يهتم وينقذ الباقى منه من غدر الزمان؟.