إنها مصر

فجاءتهم إيران !

كرم جبر
كرم جبر

التاريخ يعيد نفسه صورة طبق الأصل، مع تغيير الأشخاص على مسرح الأحداث.
بينما كان المستعصم بالله «أبو أحمد عبدالله المستعصم بالله المستنصر» آخر خلفاء العباسيين، يتابع الراقصة «عرفة»، جاءها سهم قاتل أسقطها مخضبة بالدماء بين يديه، وفى نصله ورقة مكتوب فيها «إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوى العقول عقولهم»، من هولاكو خان الذى يحاصر بجنوده قصر الخليفة فى بغداد، 10 مارس 1258من قرابة 700 سنة.
9 أبريل 2003، وبينما كانت جيوش بوش الابن على أبواب بغداد، كان «دوبلير» صدام حسين يتجول فى الشوارع، ووزيره الصحاف يتحدث للصحفيين عن قطع مؤخرة «العلوج» وتصفيتهم، ولا فرق بين الراقصة «عرفة» والمهرج «الصحاف».
ولا تختلف نهايات المستعصم عن صدام، صدام عثروا عليه فى حفرة تحت الأرض، وعقموه بالبودرة المضادة للحشرات، وقبلها قتلوا ولديه «عدي» و«قصى» وعرضوا جثثهما عرايا على ألواح خشبية.
التتار حاصروا القصر والمستعصم طلب مشورة وزيره الشيعى «مؤيد الدين العلقمي»، الذى نصحه بأن يذهب للتفاوض مع هولاكو فى خيمته، ويصحب معه سبعمائة من الأمراء وكبار رجال الدولة والوزراء والأعيان والفقهاء وكبار الشخصيات، وعند وصولهم لم يسمحوا إلا بدخول الخليفة وعدد قليل واحتجزوا الباقين فى الخارج، وجلس المستعصم ذليلاً أمام هولاكو، وأمام عينيه ذبحوا رجال دولته.
أخذوا الخليفة أسيراً حتى ينفذ مطالبهم، وأهمها أن يأمر أهل بغداد بإلقاء السلاح وعدم المقاومة، وربطوه بالسلاسل وحملوه فى قفص حديدى فى شوارع المدينة، ليدلهم على أماكن الذهب والفضة والمجوهرات والتحف الثمينة، وقتلوا ولديه أمام عينيه، وأسروا أخوات الخليفة البنات الثلاثة سبايا «فاطمة» و«خديجة» و«مريم»، ولم يبكِ الخليفة على الكنوز والأموال ولكنه بكى بحرقة حين أخذ هولاكو يستعرض نساء بيته والجوارى الحسان، وتضرع إليه «منّ على بأهل حرمى اللائى لم تطلع عليهن الشمس والقمر».
قدم الوزير الشيعى «ابن العلقمى» لهولاكو كشوفاً بأسماء أعدائه من كبار الشخصيات، فيتم جمعهم فى منطقة المقابر وقتلهم ودفنهم فى حفر جماعية، ومن بينهم كبار العلماء وحفظة القرآن الكريم، واجتاحت جحافل الشر بغداد، وحرقوا «بيت الحكمة» أكبر مكتبة فى العالم، وألقوا بالمؤلفات النادرة فى دجلة والفرات، وانتهت ولاية العباسيين.
لم يسلح المستعصم جيشه ولم يستعد للحرب، ولم يبنِ دولته القوية، فجاءه من حرمه من ماضيه وحاضره ومستقبله، وبلغ ما جمعه التتار فوق بعضه، كجبل فوق جبل، ووجدوا فى حديقة القصر حوضا من الذهب الأحمر الخالص، امتزج بالدماء التى ملأت كل شبر من أركان القصر.
بغداد ٢٠٠٣، التاريخ يعود متخفياً فى أقنعة الزمن، وتسقط قصور صدام الرئاسية وتحفه ومجوهراته، وترمى الأوراق والمقتنيات فى الشوارع لينهبها اللصوص والدهماء.
وسقطت بغداد وانهارت البوابة الشرقية التى كانت تحمى ظهر العرب، وتصور المنتصرون أن الخطر قد زال.. فجاءتهم إيران.