نهار

الأسايطة...

عبلة الروينى
عبلة الروينى

لم يفعل عادل سعد ما فعلته العقارب والخنافس السوداء، فروا هاربين من»أسيوط» المدينة التى لا يستحق العيش فيها!!... اختار عادل سعد أن يحب مدينته.. أن يكتب سيرتها بصدق موجع.. أن يجمع وثائقها وحكاياتها وشهادات أهلها، فى روايته «الأسايطة» الصادرة حديثا عن دار «روافد»... وهى ليست رواية بالمعنى، لا شخصيات ولا حكاية ولا تصاعد للأحداث.. سرد غير تقليدى لسيرة مبعثرة لمدينة أسيوط، على امتداد أكثر من ٢٠٠ عام، منذ محمد على باشا وملاحقة المماليك... حتى أحداث يناير ٢٠١١...
«الأسايطة» كتاب مدهش، أقرب إلى الكتاب التوثيقى. وقائعه دقيقة وحقيقية، بأسماء أصحابها وشهاداتهم الحية، خاصة وقائع العنف المتبادل بين الجماعة الإسلامية والأمن.. لا صوت غير الرصاص، ولا صورة غير الدم!!.... وثيقة حية ومؤلمة على أزمنة الأفيون واللصوص والقتلة والموت السهل.. لكن عادل سعد يحيل العنف إلى عمل إبداعى، أقرب فى تكثيفه وإيقاعه إلى لغة الشعر.. لا توجد حكاية واحدة، بل حكايات متناثرة فى أزمنة متناثرة.. فقط الراوى يخلط أساطير المدينة بحقائقها المخيفة وأوجاعها...
يكتب عادل سعد تاريخ مدينته أسيوط من زاوية الظلم والقمع الذى حاصرها طويلا.. من زاوية العدل الغائب على مر السنين.. ورغم الدخان الأزرق أو الأسود الذى يغلف المدينة دائما.. رغم اللصوص والقتلة التى تمتد حكاياتهم، فالمؤلف لا يدينهم أبدا.. هو فقط يذهب إليهم، ويعيش وسطهم، يرصد عالمهم دون سؤال ولا مساءلة!!.. يقسم روايته إلى ٣ أجزاء (عبيد درب الأربعين)، (خالتى بطة الحشاشة)، (صلاة العقارب) والجزء الأخير هو أخطر ما فى الرواية.. يقدم من خلاله شهادات حية لأصحابها.. كيف تكونت الجماعة الإسلامية، وكيف تصاعدت جرائمها، وصراعاتها مع الأمن، واتفاقات التهدئة والمراجعة.. والعنف الذى أغرق البيوت والشوارع.. لتتحول أسيوط إلى مدينة الأشباح والرصاص والقتل العشوائى.