خريطة المصالح.. سباق دولي للهيمنة على ليبيا

خريطة المصالح.. سباق دولي للهيمنة على ليبيا
خريطة المصالح.. سباق دولي للهيمنة على ليبيا

تعقيدات الوضع فى ليبيا ترتبط بشكل أساسى بحالة الصراع الدولى للهيمنة على أكثر دول شمال أفريقيا ثراءً، وتستغل القوى الدولية المختلفة حالة الانقسام التى تحاول تركيا تكريسها بدعمها للمليشيات المسلحة المرتبطة بحكومة الوفاق وتتبع ايدولوجيا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.. استعراض المواقف الدولية يوضح خريطة المصالح التى تكشف صورة الوضع الليبى الراهن وفرص حل الأزمة.


تركيا.. حلم الخلافة العثمانية


يبحث النظام التركى عن إعادة انتاج الخلافة العثمانية المنقضية منذ قرون، ورغم البُعد الجغرافى بينها وبين ليبيا وعدم وجود علاقات تاريخية سابقة بين البلدين، تسعى تركيا لإيجاد موطئ قدم لها فيها. وحيث تفرض روسيا والولايات المتحدة قيوداً أمام تركيا للتحرك فى سوريا والعراق، فقد مثلت ليبيا والسيولة الدولية للتحرك بها مجالا مثاليا للبحث عن تلك الإمبراطورية المنشودة. واتجه النظام التركى لدعم حكومة الوفاق الوطنى والجماعات المسلحة لمواجهة الجيش الوطنى بقيادة المشير خليفة حفتر، وهو الدعم الذى جاء مرتبطاً بعدة دوافع منها دعم وجود المجموعات الممثلة لتيار الإسلام السياسى فى صدارة المشهد الليبى، وهو ما يمكنها من التحكم بمفاتيح اللعبة مستقبلاً مع انفراد تلك التنظيمات بالمشهد مستقبلاً. كذلك استخدام المدن الليبية لإعادة توطين ونقل المقاتلين العائدين من ساحات الصراع الدولى لحين توظيفهم فى صراعات جديدة أو الإبقاء عليهم فى ليبيا.


وتسعى أنقرة إلى فتح سوق جديد للسلاح التركى أو تجربة أنواع جديدة من الأسلحة للمساهمة فى زيادة حصيلة تصدير السلاح التركى التى تجاوزت 6 مليارات دولار. كما أن لديها مصالح اقتصادية هناك متمثلة بعقود تم توقيعها منذ عام 2010، فى مجالات اقتصادية وتنموية كالنفط والغاز وعقود إعمار ليبيا. بالإضافة للشق الجيوسياسى وهو التأثير على مقاربات دول الجوار، وإزعاج مصر، بالحصول على موطئ قدم على السواحل الليبية، ومن ثم، فرض سيطرة ما على البحر المتوسط من أجل مضايقات تتعلق بالحقوق النفطية هناك. ولذلك ترفض المؤسسات الوطنية الليبية التحركات التركية لإشعال الازمة ودعم التنظيمات الإرهابية وحكومة الوفاق الموالية لها، إذ تستهدف تقويض وحدة الدولة الوطنية الليبية وتضرب مستقبل وثروات الشعب الليبى.


إيطاليا.. عودة المستعمرة القديمة


تعتبر إيطاليا ليبيا منطقة نفوذ لكونها كانت أهم المستعمرات الإيطالية فى إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وتعمل عدة شركات إيطالية فى قطاع النفط الليبى وتستحوذ على حصة كبرى منه وأبرزها شركتى «إيني» و»بوتشيلي»، وظلت شركة «إينى» الإيطالية مستثمراً أساسياً فى الغاز والنفط الليبى على مدار سنوات بما فيها فترة العقوبات التى فرضت على ليبيا عام 1992، وتسيطر «إينى» حاليًا على أغلب الحقول النفطية فى «برقة» و«فزان»، وترغب روما فى تأمين مصالحها النفطية بليبيا بشكل واسع، إذ إنها تستورد 12% من احتياجاتها من الغاز، و25٪ من احتياجاتها النفطية من ليبيا وهى ما تمثل 32% من الإنتاج النفطى الليبى. ولحفظ مصالحها النفطية لجأت إيطاليا إلى دعم فايز السراج.


فرنسا.. استعادة النفوذ


ترغب فرنسا فى تأمين مصالحها الاقتصادية فى ليبيا والسيطرة على حقول النفط الليبية عبر شركتها «توتال»، بالإضافة لسعيها إلى استحواذ بعض شركاتها مثل المجموعة الهندسية «اليستوم» وشركة الأسمنت «لافارج» على عقود إعادة الإعمار الليبية وإعادة تأهيل المنشآت التى تم تدميرها خلال الصراع الليبى.. وتتمسك فرنسا بدعم قائد الجيش الوطنى المشير «خليفة حفتر»، الذى استطاع السيطرة على الهلال النفطى من حكومة السرّاج والميلشيات التابعة لها. وتمثل ليبيا بوابة فرنسا نحو مصالحها فى دول الصحراء، والتى ترتبط فرنسا بها بشكل استراتيجى، لذلك فإن فرض الاستقرار بالجنوب الليبى لن يمكن الشركات النفطية الفرنسية من استكمال أعمالها فقط، بل سيمتد إلى تعزيز الدور الفرنسى الهادف إلى تحقيق الامن.


الولايات المتحدة.. نفوذ وبترول


يمثل النفط الليبى عاملا محركا للسياسات الامريكية تجاه الأوضاع فى ليبيا، حيث تسيطر شركات أكسون موبيل وأوكسيدنتال بتروليوم الأمريكيتين على حصة نفطية ذات أهمية كبرى. وتأثرت مصالح تلك الشركات بالأوضاع الأمنية المتدهورة فى ليبيا منذ 2011، ولذا ترغب واشنطن فى فرض الامن والاستقرار فى ليبيا لتعاود تلك الشركات العمل بكامل طاقتها. وحيث مثل الوضع الأمنى الليبى فرصة لنشاط التنظيمات الإرهابية مهددًا الجهود الامريكية للقضاء على تنظيمات القاعدة وداعش، ثمنت الإدارة الامريكية جهود الجيش الوطنى لمطاردة تلك التنظيمات والقضاء على وجودها، وهو ما أبرزه الاتصال الذى جرى بين الرئيس الأمريكى «ترامب» وقائد الجيش الوطنى الليبى المشير «خليفة حفتر» فى أعقاب تقدم الجيش لتطهير الجنوب والمنطقة الغربية من المليشيات والتنظيمات الإرهابية.


‎وتبحث الولايات المتحدة عن نفوذها الذى اعتادت الاستئثار به على مجريات الأوضاع فى المنطقة، ومواجهة تنامى الاهتمام الروسى بليبيا، حيث تمثل ليبيا - منذ عهد القذافى - أحد أكبر مشترى للمنظومات التسليحية، ولذلك تريد دعم إعادة الامن وفرض النظام بما يضمن أن تصبح البائع الأول لدى السلطة الليبية القادمة، وإزاحة البائعين المنافسين عن دائرة الاختيارات المتاحة أمام الحكومة القادمة، وهو ما يعنى استثمارات ومبيعات لأنظمة تسليح بقيمة عالية. كذلك تمثل إعادة إعمار ليبيا فى المرحلة التالية للصراع فرصة كبرى للشركات الامريكية للدخول والعمل فى هذا البلد الثرى بالموارد والنفط، والمتعطش إلى عمليات تنمية وتطوير شاملة وكبرى، ستضمن من خلالها الشركات والبلدان الحائزة على عمليات إعادة الاعمار تدفقات نقدية طائلة.


ألمانيا.. شبكة معقدة


رفضت ألمانيا الدعوة الفرنسية للتحرك عسكرياً ضد نظام القذافى، ولكنها بادرت فى يونيو2011 بالاعتراف بالمجلس الانتقالى الليبى المعارض ممثلا شرعيا للشعب الليبى. وترتبط أهداف برلين فى ليبيا بشبكة معقدة من المصالح التى تستهدف تحقيقها كبح الطموح الفرنسى البريطانى فى التغلغل بالصراع لتحقيق هيمنة على الثروات الليبية، والتفرد بصدارة المشهد الدولى من حيث حشد وتحريك القوى الأوروبية وراءها لتبنى وجهات نظرها، والحرص على توظيف أدوتها الدبلوماسية والإنمائية للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية واستحواذ صورة الدولة الداعمة لجهود العمل الإنسانى، بالإضافة إلى سعيها لضمان عقود اقتصادية ترتبط بمشروعات التنمية وإعادة الاعمار فى ليبيا مع انخفاض حدة الاقتتال.


بريطانيا.. تمكين الإسلام السياسى


تحرص لندن على توجيه دفة الأوضاع والصراع فى ليبيا بما يمكنها من الخروج بالقدر الأكبر من المكاسب التى تستطيع اقتناصها، وتحكم تحركاتها مجموعة أهداف استراتيجية كدعم وتمكين جماعات الإسلام السياسى لتصدر المشاهد الانتقالية والتحكم فى مستقبل تلك البلدان بما يتوافق ومصالحها، لذلك حرصت فى مراحل الصراع الأولى-بعد سقوط القذافى-على دعم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية حتى استطاعت الاستحواذ على المؤتمر الوطنى الليبى، ومع فشلها فى الاستمرار وبروز تيارات أخرى تمكنت من الوصول إلى صدارة المؤسسات الليبية المنتخبة اتجهت بريطانيا لدعم حكومة الوفاق بالغرب وتجاهل شرعية البرلمان المنتخب.


روسيا.. تواجد فى المتوسط


تحافظ روسيا على علاقات متوازنة مع أطراف الأزمة الليبية، وهو ما يتضح من تحركات روسيا الدبلوماسية التى لعبت فيها موسكو دور الوسيط، حيث التقى وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» بقائد الجيش الوطنى المشير «خليفة حفتر» فى نوفمبر 2016، وأعقبه بلقاء مع «فايز السراج» فى مارس 2017، انتهاء باجتماع الطرفين فى موسكو فى أغسطس من نفس العام بهدف التوصل إلى بنود مصالحة واضحة بين الأطراف. ويبدو أن هذه السياسة المتوازنة مدفوعة بدوافع اقتصادية، فروسيا هى التى قامت بطباعة الدينار الليبى ليوزعه البنك المركزى، فيما وقعت شركة النفط الروسية العملاقة (روس نفط) عقدًا لشراء النفط من الشركة الوطنية الليبية للنفط عام 2016.

‎ويبدو أن موسكو ترغب فى تسوية سياسية تنهى حظر تصدير السلاح الذى فرضته الأمم المتحدة ضد ليبيا، وذلك لزيادة مبيعاتها العسكرية عن طريق دعم الجيش الوطنى بعد سنوات منهكة من الصراع، حيث بلغ التبادل العسكرى مع ليبيا قبل الإطاحة بمعمر القذافى عام 2011 قرابة الـ 4 مليارات دولار، وحتى اليوم يعتمد الجيش الوطنى الليبى فى الخبرات العسكرية على روسيا، ومن هنا ستستفيد روسيا من إلغاء حظر بيع السلاح إلى ليبيا.. كما أن قدرة روسيا على موازنة علاقاتها بين حفتر وحكومة الوفاق ستنعكس على العلاقات التجارية وعقود الإعمار التى يمكن لروسيا الحصول عليها مستقبلاً، فالشركات الروسية مهتمة ببناء سكة حديد تربط ما بين بنغازى ومدينة سرت بمناقصة تقدر قيمتها بـ 2.5 مليون دولار، بشكل سيعزز من اقتصاد روسيا وتأثيرها فى منطقة البحر المتوسط.

 وتهتم موسكو بليبيا كونها مدخلاً للبحر المتوسط وجنوب أوروبا يمكن التعويل عليه فى امتلاك قواعد عسكرية بتلك المنطقة، وهو ما تم تداول انباء فى الأوساط البريطانية عنه وأثار تخوفات أوروبية من احتمالات انتقال التهديد والنفوذ الروسى إلى جنوب المتوسط بدلاً من شرق أوروبا.