حكايات| السعودي «بلو».. كفيف «عايش على الطيران» بأجنحة برايل

السعودي «بلو».. كفيف «عايش على الطيران» بأجنحة برايل
السعودي «بلو».. كفيف «عايش على الطيران» بأجنحة برايل

في عز التألق وتميزه أغلقت الحياة أبوابها في وجهه وسلبه القدر نعمة البصر إلا أنه تمسك بـ«رؤية البصيرة» واستمد منها نورًا لمواصلة حلمه بالعمل في عالم الطيران.

 

بدا ملفتًا للسعودي محمد توفيق بلو أنه لا توجد وجبات مرضية لركاب الطائرات من المكفوفين فبدأ بنفسه مشروع «وجبة لكل راكب كفيف»، ليمنح خطوط بلاده سلسلة جوائز عالمية.

 


لعبت الصدفة دورها في حياة «بلو» كثيرًا، والذي ولد في جدة عام 1962، وقرب منزله مطار جدة، ما جعله يعشق الطيران، لما ولا وهو يرى الطائرات يوميًا تقلع وتهبط أمام عينيه، فلم يتردد للحظة في التقدم للعمل بـ«الخطوط السعودية»، بدأها 1980 لكن سرعان ما انتهت في 1992.

 


وخلال تلك الفترة عمل «بلو» لـ4 سنوات مضيفًا جويًا، ومثلها كأول طاهٍ جويٍ سعوديٍ؛ إذ كان يعبر عن نفسه بأنه طاهي فوق السحاب، وحصل على جائزة أفضل طاهٍ جويٍ في عام 1989، ثم لقب أفضل مدرب خدمة جوية في العام 1991.

 

«شرفة منزلي تكشف مطار جدة على مدار الساعة، عندما تقلع الطائرات أو تهبط أشاهد ذلك بوضوح.. أنا أعيش على الطيران منذ كان عمري 3 سنوات، فأصبح العمل في هذا المجال حلم الطفولة والطيران جزء من كياني، ومعه بدأت أمارس رقص الهيب هوب وكنت أهوى التصوير».. كلمات وجد فيها «بلو» تعبيرًا صادقًا عن عشقه لهذا المجال.

 

 

لكن أثناء عمله كمضيف جوي بدأ يشعر فجأة بصعوبة في الرؤية مع إضاءة الطائرة الخافتة، ليكتشف إصابته بإعاقة بصرية نتيجة التهاب صبغي وراثي في قاع العين، ومع بدأ ضعف الرؤية قرر أن يترك الضيافة والعمل كطاهٍ جوي، ونظرًا لصعوبة الرؤية أُحيل إلى التقاعد المبكر من عمله بالخطوط السعودية في العام 1992.

 

يحكي السعودي محمد أنه عندما بدأ البصر يتدهور وغير قادر على تحديد وجوه الناس وغير لائق للعمل، كانت هذه اللحظة التي فكر فيها بابتكار أمر خرافي يجعل عمله يتمسك به إذا أصيب بالعمى بشكل كامل لذلك، ولأنه يعمل طاهيا جويا وأيضا يفقد بصره فقدم للخطوط العديد من الأفكار والمشاريع من أهمها فكرة وجبة الراكب الكفيف في العام 1992.

 

 

عندما تحدث «بلو» مع صديق له عن وجود تنوع في وجبات الطائرة من ضمنها مرضى السكري، لكن لا يوجد شيء للمكفوفين وهنا كانت البداية، فأجرى دراسة ميدانية لما يواجه المكفوفين عند السفر نتج عنها منظومة سفر متكاملة بحيث يحصل الكفيف على تسهيلات تمكنه من الاعتماد على نفسه في السفر ويعتمد على نفسه في تناول الطعام على الطائرة.

 

وفي لحظة تقديم وجبة المكفوفين صاحب ذلك تدهور حالته البصرية، فتم إحالته إلى التقاعد المبكر، وكان حينها في الـ32 عامًا من عمره، ومن المفارقة أن ذلك كان في اليوم الدولي للعصا البيضاء. 

 

بفضل وجبة الراكب الكفيف حصلت الخطوط السعودية على 3 جوائز عالمية: (جائزة الشرف الكبرى للاتحاد العالمي لتموين الطائرات IFCA عام 1992، جائزة الاتحاد العالمي للخدمة الجوية IFSA في نفس العام، جائزة مجلة أون بورد سيرفس 1993).

 

وقد تم وضع قائمة الطعام بطريقة برايل مع تجسيد للصينية بمواقع الطعام على المنيو، وكذلك الحقائب؛ إذ يكون هناك إشارة أنه راكب كفيف، وتدريب الملاحين على كيفية التعامل مع الراكب الكفيف، والذي صار يعامل معاملة الـ (vip).

 

ويكمل حديثه: «كنت أول شخص على مستوى العالم يضع منظومة للمكفوفين وشركات الطيران بدأت بعد ذلك في وجود نظام خدمة للمعاقين على الطائرات، كانت صدمة خروجي من عالم الطيران أكبر من مشكلة فقداني للبصر نفسه لأن ذلك هو العالم الذي أحبه وكنت متفردًا ومتخصصًا فيما أقوم به.. صحيح حصلت على شهادة كوني صاحب هذا الإنجاز ولكن كنت أريد العودة».

 

 

وعن مغامراته في عالم الطيران، يفتخر بلو بأن أول لقاء بينه وبين زوجتي كان فوق السحاب؛ حيث أنها أمريكية الجنسية وتعرف عليها خلال رحلة جوية على الخطوط السعودية وبدأت قصة حبهما، كما أنها عاشت معاناته منذ اللحظات الأولى  لإصابته بالإعاقة وحتى الآن.

 

«بعد إصابتي بهذه الإعاقة سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية فحصلت على برنامج للعناية بضعف البصر بمركز لايت هاوس نيويورك 1994، ثم حصلت على برنامج تدريب وإعادة تأهيل بمعهد الجمعية الوطنية للمكفوفين بمنيابلس 1996، حينها ورأيت عالمًا ثانيًا مختلفًا حيث يوجد به العديد من الخدمات يقوم بتقديمه لفاقدي البصر، فيوجد منظومة كاملة من أجل تأهيل فاقدي البصر.

 

 

الآن هناك خطّ توفيق بلو مرحلةً جديدةً في حياته، يقول عنها: إن «المركز منحني الأمل من أجل أن أندمج في الحياة والمجتمع مرة أخرى، وحصلت على دورة فاقد البصر، وزوجتي اقتنعي أن التحق بهذه الدورة، فتعلمت التفرقة مثلا بين الملح والسكر من الملمس».

 

محمد توفيق بلو بدأ مرحلة جديدة الآن بتأسيس شركة للنشر وأصدر الجزء الأول من سلسلة «رحلتي عبر السنين» مزج فيها ما بين السيرة الذاتية وأدب الرحلات، ثم كتاب «الأديب طاهر زمخشري في سطور» ترجمة مختصرة عن الأديب.

 

 

وعن شغفه بالطيران، يقول بلو: «لم أفقده يوماً ومع الطفرة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي لاحظت وجود مشكلة وهي أن أي حادث طيران يقع يكون هناك جهد ووقت كبير للبحث عن الصندوق الأسود وإعادة تصليحه في بعض الأحيان، استحدثت منظومة أطلقت عليها سكاي آي العين الجوية».

 

ولعل هذا البرنامج عبارة عن مجموعة كاميرات مربوطة بنظام الاتصالات الفضائية والمحطات والمطارات من خلالها بمجرد ما يطلب الطيار موجة الطوارئ لتقوم الكاميرات بتصوير ما يدور وتسجل وتعطي الإرشادات وعن طريق الذكاء الصناعي تستطيع أن تكون هناك صورة لما يحدث خارج كابينة القيادة ويكون هناك تسجيل فوري لما يحدث مباشرة وهذا يكون فعالًا في حالة اختطاف الطائرات لأنه يكون هناك معلومات عن الوضع.