سؤال من «أعلى برج القاهرة».. هل الإنسان مسير أم مخير؟ 

 هل الإنسان مسير أم مخير؟ - صورة تعبيرية
هل الإنسان مسير أم مخير؟ - صورة تعبيرية

صعد إلى أعلى برج القاهرة ثم سارع بالقفز، منحه القدر فرصة للحظات حين علقت ملابسه بالسور الحديد، لكنه أبي وأصر على توديع الدنيا من باب صعب على أي إنسان.. لم تمر سوى ساعات محدودة حتى لحقه شاب آخر أنهى حياته بالقفز أمام مترو «أرض المعارض» بالخط الثالث.


   
ومع كل حالة انتحار تتزايد التعليقات والمنشورات حول المنتحر، وإن كان «مات كافر أم معذور لمرضه النفسي؟».. إذا كان الموت «قدرًا» فلماذا يعذب المنتحر على أمر قدره الله له وقضاه عليه؟

 

ولا يخفى على أحد أن مثل هذه التساؤلات يرددها الإنسان بينه وبين نفسه كثيرًا، وأحيانًا ما يطرحها على بعض علماء الدين في محاولة منه للعثور عن إجابة:

 

الدكتور أحمد خيري أحمد، مدرس الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة القاهرة، حذر في إجابته على السؤال السابق بأن بعض الناس وجدوا في القدَّر مجالاً للاحتجاج به على معصيتهم وتقصيرهم؛ لكن هذه «الشبهة» قديمة ومن صفات المشركين.. «للأسف هذه من وساوس الشيطان يزين بها لأهل الضلال ضلالهم ويتسلل بها إلى ضعاف النفوس ليلبس عليهم دينهم». 

 

ببساطة منح الله للإنسان حرية الاختيار والقدرة والمشيئة، التي بها يؤمن أو يكفر، يطيع أو يفجر، يفعل أو يترك، وعليها يُحاسب ويُجازى، لكن كل أفعال البشر علمها الله سبحانه قبل وقوعها أو تنفيذها، ويبقى تحديد المصير بيد كل إنسان، بحسب الدكتور خيري.

 

ولو صح مثل هذا القول- وهو احتجاجهم بالقدر- لتعطلت الشرائع، وحين تُعطل يصبح «إبليس، وفرعون، وقوم نوح، وعاد وكل من عذبه الله بسبب مخالفة أمره معذورًا، ويلزم أيضًا ألا يُفرق بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الله وأولياء الشيطان».

 

السؤال المعتاد


هل الإنسان مخير أم مسير؟.. سؤال كثير الطرح على الشيوخ، وفيه يؤكد أستاذ الشريعة أنه من الخطأ أن يتم الحكم على الإنسان بأنه مسير أو مخير بإطلاق، فالحق أنه مخير في أمور، ومسير في أخرى، أما كونه مخيرًا فلأن الله تعالى منحه العقل والسمع والبصر والإدراك، يعرف من خلالها الخير من الشر، والنفع من الضر، وله مشيئة واختيار.

 

وباختيار الإنسان يحافظ على الصلاة أو يتركها، وبمشيئته يشرب الخمر أو يدعها، ولهذا يثاب ويعاقب، وبذلك تعلقت التكاليف الشرعية به من الأمر والنهي، واستحق الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية. 

 

وأما كونه مسيرًا: فلأنه لا يخرج بشيء من أعماله كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، وهنا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم على من سأله: «يا رسول الله: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة»، فأجابه: «أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل الشقاوة» ثم قرأ: «فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى». 

 

إذن على العاقل أن يُفرق بين الأمور المقدرة، وهذا اعتقاد، والأوامر المقررة وهذا من العمل، فإدراك أن الأمور كلها بقضاء الله تعالى وقدره، وأنه لا يقع شيء في كون الله إلا بقدر الله، وعليه كذلك أن يتوقف عند أوامر الله تعالى فيسمع ويطيع، فالنصر من عند الله، والعمل على تحقيقه آخذين بأسباب القوة، ونعتقد أن الرزق من عند الله، ونعمل على اكتسابه بالسعي في مناكب الأرض.