حديث الأسبوع

عنف لا دين ولا عرق له

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

عبدالله البقالى

 

تبدو منظمة الأمم المتحدة مهتمة أكثر بالعلاقات الجنسية للمرأة، وإن كانت مع نفس الجنس، أكثر من اهتمامها برزمة كبيرة من القضايا والإشكاليات، التى تهم المرأة فى مختلف جوانب الحياة داخل المجتمعات والبلدان. فقد حرصت هذه المنظمة ضمن أولويات ما اهتمت به فى التقرير السنوي، الذى نشرته قبل أيام، اختارت له هذه المرة عنوان (تقدم نساء العالم 2019-2020: الأسر فى عالم متغير)، على الاهتمام بالعلاقات الجنسية للمرأة، وحرصت على تضمين التوصيات التى انتهى إليها التقرير (الاعتراف بأشكال متنوعة من العلاقات لحماية المرأة فى المعاشرة وإقامة علاقات مع نفس الجنس)، وحصر أهمية (الاستثمار فى الخدمات العامة، لا سيما التعليم والرعاية الصحية الإنجابية) فى ( توسيع خيارات حياة النساء والفتيات ليتمكن من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الجنس والإنجاب)، كما لم تر توصيات التقرير أية فائدة فى تعديل وإصلاح قوانين الأسرة، إلا فى ( ضمان قدرة المرأة على اختيار ما إذا كانت ستتزوج، ومتى ومن ستتزوج، فضلا عن توفير إمكانية الطلاق إذا لزم الأمر ذلك).
مهم أن نشير إلى أن التقرير الأممى الجديد صدر تزامنا مع تخليد المجتمع الدولى اليوم العالمى للقضاء على جميع أشكال التعذيب ضد النساء، الذى يصادف الخامس والعشرين من شهر نوفمبر من كل سنة، بما يحيل على القول، إن الأمم المتحدة تفاعلت مع هذا الحدث البارز من زاوية حرية النساء فى اتخاذ ما تراه لائقا وصائبا فى علاقاتهن الجنسية، وفى الإنجاب، وفى الزواج والطلاق، بيد أن أهمية القضية تتجاوز بكثير هذه المساحة الضيقة، التى حرصت الأمم المتحدة على حصرها وسجنها فيها.
ويعلم مسئولو وخبراء الأمم المتحدة، أن ظاهرة العنف ضد النساء لم تعد مقتصرة على منطقة جغرافية معينة من العالم، لذلك لم يعد مقبولا ولا مستساغا الإدعاء بأن المرأة فى منطقة معينة أضحت عرضة للعنف أكثر من مثيلاتها فى منطقة أخرى من العالم، ولا القول بأن مسببات ومراجع دينية أو عرقية أو ثقافية لفئة معينة أو لمجتمعات محددة تنتج مظاهر عنف ضد المرأة، بل الحقيقة التى تجد صعوبة فى الوصول إلى الرأى العام الدولى تكمن فى أن العنف الممارس ضد المرأة ظاهرة عالمية آخذة فى الانتشاروالارتفاع، وإذا كان الإقرار واجبا من خلال الاعتراف بوجود تفاوتات كبيرة فى هذا الصدد بين الدول والمجتمعات، إذ لا مجال للمقارنة بين أوضاع المرأة فى تجارب متباينة ومتفاوتة، فإنه أيضا من المنطقى الاعتراف بأن المرأة فى الدول المتقدمة، التى تعتبر نفسها قطعت أشواطا كثيرة نحو إكساب المرأة أعلى درجات نيل الحقوق والتمتع بالكرامة، تواجه من جهتها أجيالا جديدة من الصعاب والتحديات، التى تضعها فى خانة الاستهداف بواسطة أشكال عنف كثيرة ومتعددة. ودليلنا فيما ذهبنا إليه نجده فى تقرير سابق لمنظمة الأمم المتحدة، الذى يعتبر «العنف ضد المرأة أحد الانتهاكات الأكثر انتشارا واستمرارا وتخريبا لحقوق الإنسان، حتى أيامنا هذه.وأضاف التقرير أن 19 بالمائة من النساء اللائى تتراوح أعمارهن ما بين 15 و49 سنة من المستجوبات أكدن تعرضهن لعنف جسدى أو جنسي، من قبل شركائهن الحميميين خلال الإثنى عشر شهرا التى سبقت الاستطلاع، ومهم أن نشير إلى أن دولة فى حجم ألمانيا تصدرت قائمة الدول 87 التى شملها التقرير،  والأكثر أهمية أن نضيف بأن دولا فى حجم فرنسا والسويد وبلجيكا اصطفت وراء ألمانيا فى طليعة الدول المشمولة بالاستطلاع، التى تعرضت فيها المرأة إلى مختلف أشكال العنف.
طبعا، تغيب الإحصائيات المتعلقة بالعنف الممارس ضد النساء، بالنسبة لكثير من الأقطار، خصوصا فى البلدان المتخلفة والسائرة فى طريق النمو، ولكن لا يخفى أن الأوضاع بالغة السوء هناك، والمرأة فى العشرات من الدول تتعرض لأبشع مظاهر العنف والاحتقار والذل والإهانة،لا جدال فى ذلك،ولكن المهم بالنسبة إلينا هو التأكيد على أن العنف ضد النساء لا لون ولا عرق ولا دين له، وهو مستشرى أيضا فى دول يقال إنها وصلت مستويات رفيعة ومتقدمة، فيما يتعلق بتمتيع المرأة بحقوقها كاملة، وأنها اقتربت من تحقيق المساواة بين الجنسين لدرجة السماح بالزواج من نفس الجنس، وهو ما لا يوجد حتى فى المجتمعات الحيوانية التى تحترم بالفطرة الخصوصية الجنسية. والعنف ضد النساء فى الدول المتقدمة الصناعية الكبرى يبدأ بمنع المرأة من حقها فى الحفاظ على هويتها الاسمية بعد الزواج، حيث ما أن ترتبط بعلاقة زواج شرعى أو بعلاقة المعاشرة، التى تعطى مفهوما غريبا للعلاقة الزوجية وتحيلنا مرة أخرى على مفهوم المجتمع الحيواني، حتى تفقد اسمها وتكسب هوية زوجها أو معاشرها.
فعلا، إن لله فى خلقه شؤون.