من يكتب نهاية «السراج»؟.. أردوغان يحرق شرعية «الوفاق» الليبية

الرئيس التركي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي
الرئيس التركي ورئيس المجلس الرئاسي الليبي

وسط أمواج عاتية بدا الخناق يطبق على أنفاس حكومته حتى باتت أعين وزرائه وحكومته ترى بداية النهاية، ارتباك في القرارات، ضغوط دولية يرسم خيوطها «الأمر الواقع على الأرض»، حتى ظهر في الأفق ما ظنه فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية نجاة، لكنه كان «ظاهره فيه النجاة وباطنه النهاية والهلاك»، أسرع إلى إسطنبول ليستنجد بمن يحفرون قبر حياته السياسية ومعه حكومته ليشيعوا «اتفاقية الصخيرات» إلى مثواها الأخير.

 

الأحداث المتوالية السياسية والعسكرية في ليبيا وخاصة في عرب البلاد حيث العاصمة طرابلس التي تحكمها حكومة الوفاق كلها تسلط الضوء وتفضح كيانا ظاهره «رسمي» وباطنه فوضى عارمة، لا مؤسسات لا قيادات لا مركزية من يملك السلاح يستطيع تهديد «أسماء وضعت نفسها موضع متخذي القرار» بل يمكنه اقتحام مكاتبهم وترويع أمنهم.. فهل من فقد الأمن والآمن لحياته يستطيع تحقيقه لملايين غيره.

 

هروب «السراج»

نبدأ القصة من آخر مشاهدها وهو ما شاهده ملايين الليبيين قبل العالم، ظهر أمس الأربعاء، حيث هروب المهندس فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بعد اقتحام وحصار مجموعة من المليشيات المسلحة التابعة لمدينة مصراتة مقر ديوان رئاسة الوزراء، ما اضطره إلى استخدام مبنى وزارة المالية المقابل لديوان المجلس لمغادرة المقر قبل اقتحامه.

 

ووفق موقع «الساعة 24» الليبي، فإن فائز السراج هرب من الأبواب الخلفية لمقر ديوان مجلس الوزراء بعد محاصرة مقره من قبل المليشيات، واتجه إلى أحد المنازل القريبة للاختباء فيها وسط أصوات من الرماية بالأسلحة المتوسطة في محيط الموقع، وبالتزامن مع ذلك هاجمت قوة من ميليشيات مصراتة وزارة مالية وحاصرت إدارة الميزانية بالوزارة، وظل الموظفون محاصرين داخل المبنى حتى تم تحريرهم.

 

لم تكتف المليشيات التابعة لحكومة الوفاق بـ«ترويع» رئيسها فائز السراج، فوفقا لـ«الساعة 24» فإن المجموعة المسلحة التي هاجمت مبنى رئاسة الوزراء في طرابلس جردت حرس الديوان من أسلحته تماما، واستولت على عدة منقولات كان من بينها 3 سيارات مصفحة مزودة بنظم حماية حديثة، بينها سيارة تخص «السراج» ذاته.

 

الأمر ليس قصة خيالية بل واقع ذكره المتحدث باسم مليشيات صبراتة عادل بنوير، والذي دافع عن هجوم ميليشيات «مصراتة» لمقر مجلس وزراء حكومة الوفاق، حيث قال عبر حسابه بـ«فيسبوك»: «اللي بيقول اللي حصل اليوم في الرئاسي فوضى.. لم حكومة 8 شهور متستجبش لأي مطلب.. لم حكومة قاعده تساير في اللي يتاجر بالجرحى.. لم حكومة متعلنش النفير.. اللي ميستجيبش للعقل والنظام يتحمل ما يسميها فوضى»، حسبما قال.

 

إنفاق للتأمين الشخصي

مشهد ثانٍ في كيان حكومة الوفاق قبل أن نتحدث عن الاتفاقية التي وقعتها مع تركيا ما بدا أنها فتحت عليها النار من جميع الاتجاهات بل ربما أنها قد تكون قد حفرت قبرها دون لا تدري، المشهد بطله هذه المرة «الصديق الكبير» محافظ مصرف ليبيا المركزي في العاصمة صرابلس الذي طلب من إحدى شركات السلامة ومعدات الأمن بتوريد خوذ عسكرية ضد الرصاص ودروع واقية للرصاص بقيمة إجمالية مائة وثلاثة وستون ألف يورو، لتكثيف الحماية الشخصية له، وفق مستندات رسمية نشرها رئيس لجنة السيولة في مصرف ليبيا المركزي البيضاء رمزي آغا عبر صفحته بـ«فسيبوك».

 

مظاهرة في قلب العاصمة

المشهد الثالث كان من ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس الذي طالما دعا قيادات مليشيات وقوات الوفاق أهالي طرابلس للتظاهر ضد الجيش في أكثر من 10 مرات باءت كلها بالفشل، إلا أن أمس الأربعاء كانت هناك تظاهرة أخرى على غير ما تشتهي سفن حكومة الوفاق، حيث نظم أهالي مدينة طبرق، وقفة احتجاجية لرفض الاتفاقية الموقعة بين فائز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول التعاون الأمني وترسيم الحدود البحرية، وأصدروا بيانا لرفض تلك الاتفاقية، معلنين أنهم سوف ينظمون وقفة احتجاجية أخرى أمام البرلمان صباح الأحد المقبل لحرق العلم التركي.

 

 

فلم يمر أسبوع كاملا على الاتفاقية التي وقعها فائز السراج رئيس حكومة الوفاق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتعاون الأمني والعسكري وترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، وهو ما أشعل غضبا كبيرا داخليا وظهرت الأصوات التي تطالب بسحب الاعتراف الدولى من حكومة الوفاق لما وصفوه بتسليم السيادة الليبية للاحتلال التركي، وذلك قبل أن يتجاوز ذلك الغضب والرفض حدود الدولة إلى المجتمع الدولي.

 

طلبات بسحب الاعتراف

 

المطالبات الداخلية الليبية بسحب الاعتراف من حكومة الوفاق الآن في منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، مطالبات بدأها مجمع ليبيا للدراسات، ثم بعد ذلك مجلس النواب الليبي الذي زاد على ذلك باعتزامه تقديم «السراج وأردوغان» إلى المحكمة الجنائية الدولية لتوقعهما اتفاقية تعد تمهيدا لاحتلال ليبيا، أما آخر الجهات الرسمية التي حازت نفس الحزو كانت الحكومة المؤقتة في الشرق الليبي بقيادة عبدالله الثني، أما مطالبات الداخل فحدث ولا حرج، حيث توالت بيانات زعماء ومشايخ وأعيان القبائل التي تعلن رفضها واستنكارها لتلك الاتفاقية.

 

وفقا لصحفية «العرب اللندنية»، فقد أكدت مصادر دبلوماسية عربية بتونس، إن هناك مشاورات واتصالات حثيثة تجري حاليا على مستوى الدول العربية، لعقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب، لبحث تداعيات الاتفاقية التي وقعها فائز السراج رئيس حكومة الوفاق مع تركيا، على الأمن القومي العربي، ولوضع آليات عملية لسحب الاعتراف العربي من المجلس الرئاسي الليبي برئاسة”السراج”.

 

الصحيفة نقلت عن المصادر قولهم، إن تلك الاتصالات انطلقت منذ يومين على مستوى عدد من العواصم العربية،  وتتقدم بسرعة وسط إجماع على خطورة تلك الاتفاقية التي كانت محور اللقاء اللافت الذي جمع في وقت سابق بين العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس البرلمان الليبي، المستشار عقيلة صالح، متوقعين أن يكون الاجتماع في بداية الأسبوع المقبل لبلورة موقف عربي موحد برفض تلك الاتفاقية.

 

محاولة خروج من المأزق

من جانب آخر يحاول وزير الخارجية التابع لحكومة الوفاق الليبية محمد الطاهر سيالة إجراء تواصل مع العديد من الدول العربية لجلب تأييد لتلك الاتفاقية والتحذير من محاولات المساس بشرعية حكومة الوفاق، بدأها باتصال هاتفي مع كل من وزير خارجية الأردن وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، ونائب وزير خارجية الكويت خالد الجار الله، وكذلك الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية لسلطنة عُمان يوسف بن علوي، وأيضا وزير الشؤون الخارجية والتعاون الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد.

 

يبدو أن حكومة الوفاق أصبحت محاصرة من الداخل من خلال العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني الليبي في مدينة طرابلس لتطهير العاصمة من المليشيات والعصابات المسلحة التي تسيطر على الأوضاع في المدينة، ومن خارج أيضا بالتحركات الدبلوماسية والدولية لسحب الاعتراف من تلك الحكومة.. فهل كتبت اتفاقية السراج وأردوغان نهاية «الوفاق»؟