قضية ورأى

الزراعة والصناعة فى الاقتصاد السياسى

د. سعد نصار
د. سعد نصار

طالما لدى الاقتصاد القومى قطاع انتاجى واحد سائد وهو قطاع الزراعة وتريد الدولة البدء فى التصنيع فليس هناك سبيل سوى الاعتماد على فرض ضرائب على قطاع الزراعة لصالح قطاع الصناعة أو الاعتماد على الاقتراض من الخارج. ومعروف أن الأعتماد على الاقتراض من الخارج بقرض توفره فانه كان يخضع لمخاطر سياسية. وفى حين ان الاقتصاد السياسى لا يعتبر فرض ضرائب على الزراعة لصالح الصناعة فى بداية عملية التصنيع خطأ سياسيا وإنما ضرورة تاريخية فإنه يضع شروطا لذلك أولها ألا تكون تلك الضرائب عالية بدرجة تؤثر على الزراعة لأن ذلك لا يضر بالزراعة فقط وإنما يضر بالاقتصاد القومى ككل. كما يجب الا تكون تلك الضرائب لمدة طويلة بل لمدة سنوات محددة تبدأ بعدها الصناعة فى تدعيم الزراعة فى صورة استيعاب المواد الخام الزراعية وتصنيعها وخلق قيمة مضافة وفتح فرص للتشغيل وكذلك مد الزراعة بمستلزمات الانتاج الزراعية المصنعة مثل الآلات والمعدات والأسمدة والمبيدات بأسعار معتدلة.
وفى التجربة الناصرية كانت الضرائب على قطاع الزراعة لصالح قطاع الصناعة فى بعض الاحيان عالية جدا لدرجة ان سعر تسلم محصول القطن من المزارعين بلغ فى بعض السنوات ثلث السعر العالمى فقط مما أضطر المزارعين إلى الهروب من زراعة القطن وبدلا من ان الدولة كانت تحدد حدا أقصى للمساحة المزروعة من القطن (ثلث الحيازة) أصبحت تحدد حدا أدنى للمساحة المزروعة من القطن (ثلث الحيازة). لان محصول القطن كان مربحا جدا بالمقارنة بالمحاصيل المنافسة وذلك قبل فرض الضريبة عليه بعكس الحال بعد ذلك.كما ان نقل جزء من الفائض أو التراكم الرأسمالى من قطاع الزراعة إلى قطاع الصناعة استمر لفترات أطول من اللازم. وبالإضافة إلى ذلك فإن الصناعة لم تقم بتدعيم الزراعة فيما بعد. ونحن نرى حاليا ان صناعة الغزل والنسيج فى مصر ونظرا لعدم ضخ استثمارات جديدة بها منذ فترات طويلة وعدم تحديث تلك الصناعة فإنها غير قادرة على استيعاب الاقطان المصرية فائقة الطول والجودة بأسعارها العالمية وتفضل استيراد الاقطان القصيرة التيلة الرخيصة السعر والرديئة لأنها تتمشى مع طبيعة الغزول السميكة والمنسوجات والأقمشة الرخيصة التى تنتجها.
وتحرص الدولة حاليا على ضخ استثمارات جديدة وتحديث الشركة القابضة للغزل والنسيج وشركاتها التابعة وكذلك تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار فى مجال تصنيع القطن المصرى فائق الطول والجودة وخلق قيمة مضافة عالية من خلال انتاج غزول رفيعة ومنسوجات وأقمشة عالية القيمة. والى ان يتم ذلك فعلينا أن نزرع الاقطان الفائقة الطول والجودة فى الوجه البحرى بالقدر الذى يمكن تصديره وقيام مركز البحوث الزراعية (معهد بحوث القطن) بوضع وتنفيذ برنامج تربية لإنتاج أقطان مصرية (وليست أمريكية) قصيرة التيلة تزرع بالوجه القبلى والتى يمكن ان تستخدمها الصناعة الوطنية بدلا من استيرادها من الخارج.
ومن المعروف أن الطلب العالمى على الاقطان فائقة الطول والجودة قد انخفض نظرا لتغير الأنماط الاستهلاكية والتوسع فى الألياف الصناعية ولكن يظل صحيحا أنه مازال هناك طلب عالمى على القطن المصرى فائق الطول والجودة بما يسمح بتصدير حوالى 2 مليون قنطار سنويا.
< استاذ الاقتصاد الزراعى بجامعه القاهرة