الإصدرات المسموعة.. هل تنتزع مكانة الكتب المطبوعة؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بدأت على استحياء، في نطاق ضيق، ثم اتسعت دائرة انتشارها، وأضحت الكتب المسموعة ملمحًا من ملامح مشهدنا الثقافى، وصحيح أنها لم تبرز في واقعنا بالصورة التي تتخذها فى مجتمعات أخرى، إلا أن استيعاب البعض لها، وتشجيعهم لذيوعها، وخاصة من الفئات العمرية الصاعدة والشباب، قد يبشر بمستقبل واعد لها، بعض المفكرين والخبراء تأملوا معنا قضية الكتب المسموعة، وحاولوا استشراف مستقبلها، وأجابوا عن السؤال: هل تحتل هذه الإصدرات المسموعة مكانة الكتب المطبوعة؟ وتحل كبديل لها؟!


في البداية يقول سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين: الكتاب الصوتى لا يشكل خطرا على الكتاب المطبوع، فهل أدى ظهور التلفاز إلى إلغاء الإذاعة والسينما؟، بالطبع لا، وكذلك هل أثرت المواقع الإلكترونية الصحفية على الصحافة الورقية؟ بالتأكيد الإجابة لا، وأصبح الكتاب المسموع بالنسبة إلى تجربة إيجابية حيث تقوم بزيادة عدد المثقفين، ويجب على الناشر الذى لا يزال ينشر كتبا ورقية، أن يكون «صانع ألعاب محترفا»، ويخرج عن النمط التقليدى فى تقديم المحتوى، وكذلك ترويجه حتى يجذب القراء، ويدرك أن الكتاب الصوتى أصبح له جمهوره، لكن لا يوجد خطر على الكتاب المطبوع الذى سوف يستمر عقودا طويلة لأنه أصل القراءة.


ويقول الناقد الكبير د. يوسف نوفل: أذكر تاريخيا فى عام 1980 اننى من ضمن المساهمين فى إنشاء الكتاب المسموع فى مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، وكنت قد سجلت أعمالى وكتب غيرى بصوتى،، وأعتبر تجربتى مع الكتاب المسموع سبقت الأدب الرقمى والأدب التفاعلى ومواقع التواصل الاجتماعى فى تلك الفكرة، وأصبحت الآن أستمع إلى أعمالى بأصوات غيرى عبر هذه الشبكات الإلكترونية، وأرى أن الكتاب المسموع تطور عصرى فى وسط العالم التكنولوجى، ويجب أن نتيح فرصة لتلك التقنية حتى تساهم فى مساعدة الكتاب المطبوع حيث إننا نشاهد أكبر أزمة تواجه الكتاب المطبوع منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ارتفعت تكاليف الورق والطباعة بشكل رهيب، وعلى رأسها أسعار الورق، مما جعل سعر الكتاب مرتفع الثمن، ولذلك أرى أن الكتاب المسموع ظاهرة إيجابية تصب فى مصلحة الأدب والفكر والكتاب المطبوع.


توأمان فى فرنسا!
فى حين تقول الناقد ة د. غراء مهنا أستاذ الأدب الفرنسى بآداب القاهرة: أصبح الكتاب المسموع منتشرا بشكل أساسى فى المكتبات الفرنسية، ويصدر الكتاب الصوتى متزامنا مع نزول النسخة الورقية من نفس العنوان فى السوق، وأصبح عدد الأشخاص الذين يستخدمون الكتاب الصوتى مساويا لعدد قراء الكتب المطبوعة، وصار المواطن الفرنسى يستخدم جهازا صغيرا أشبه بالمسجل الصوتى يحوى عددا كبيرا من الروايات والقصص، ويستمع إليها عبر هذا المنتج، وأنا كذلك أصبحت أستعين بالقاموس الفرنسى الصوتى، لكن مشكلة الكتاب الصوتى فى مصر أن استخدامه مقصور على مجال أدب الأطفال، والمصابين بضعف البصر، وأنا من الناس التى تميل إلى الكتاب الورقى حيث يجعلنى بالغة التركيز مع النص، وكذلك يجعلنى أتامل السطور حتى أعرف ماذا يوجد فى عمقها؟، كذلك ينشط ذهنى فى طرح الأسئلة حول العمل، بينما الكتاب الصوتى يناسب الشخص المشغول الذى يقود سيارته ولا يستطيع أن ينظم وقته لقراءة كتاب ورقى.


فكرة مميزة للمكفوفين
بينما تقول الناقدة د. أمانى فؤاد: الكتاب المسموع ظاهرة حديثة وعصرية، وأراها تقنية تحاول التواصل مع الحواس الإنسانية لصالح المعرفة، والأدب المسموع يخاطب الشخصيات التى لا تمتلك الوقت حتى تستطيع أن تجلس من أجل القراءة، حيث يستمعون إلى الرواية والقصص المسموعة وهما يقودون سيارتهم، أو مشغولون بأعمال يدوية، وكذلك هى فكرة مميزة للشخص مكفوف البصر، لكن مشكلة الكتاب المسموع أنه لا يجعل المستمع يتخيل مما يسمعه، ويفضل أن تضاف إليه بعض المميزات مثل أن يستعينوا براو متميز فى فن الإلقاء، وعمل مشاهد تمثيلية حتى يفتحوا أفق خيال القارئ أثناء استماعه للعمل الأدبى، وأرى الكتاب المسموع لا يلغى فكرة الكتاب المطبوع، بل يساعد فئة معينة تعجز عن تدبير وقت للقراءة.


الورقى يكسب طبعا !
وتقول الشاعرة د. شيرين العدوى: الكتاب المسموع شيء عظيم بالتأكيد لمن ليس لديه القدرة على الاطلاع على الكتاب الورقي؛ فيمكنه الاستماع وهو فى طريقه إلى العمل أو العودة منه، وخصوصا أن المسافات طالت فى المدن العمرانية الواسعة الكبيرة التى تحتاج إلى ساعات للانتقال من مكان إلى مكان آخر، فقط ستظهر لدينا إشكالية من سيقرأ ؟ وكيف سيقرأ ؟ وما مواصفات لغته ؟ لأننا مع انهيار اللغة العربية ليس لدينا المراكز التى تنشط اللغة والمعامل التى تقوم بتدريب المقبلين على تعلمها بكيفية الأداء لتوصيل المعلومات بشكل صحيح وجذاب. ربما الكتاب المسموع يجعلنا نقف وقفة جادة مع أنفسنا للمحافظة على لغتنا من الضياع، الكتاب المسموع كان من الأفكار القديمة التى طرحت لمساعدة (المبصرين) مع طريقة برايل على الاستيعاب، وقد شاركت فى عمل بعض المقررات وأنا بالجامعة لأصحابى هؤلاء لأساعدهم على تحصيل المعلومات، ولكن كان هذا بطريقة بدائية عبر شرائط التسجيل «الكاسيت»، ثم إنه فى العصر الحديث وجدت مشروع الكتاب المسموع، وكما شرحت خوفى الوحيد هو أن يضيع من يقرأ اللغة، نحتاج إلى تقنين المسألة وتكون عبر القنوات المشروعة كمجمع اللغة العربية وكليات الآداب وألا تدخل فيها الشللية والمجاملات و(البزنسس ) فتكون خالصة لوجه الثقافة باختيار الأصوات الجميلة المدربة القادرة على العطاء، ولا أرى أبدا أن الكتاب المسموع سيلغى الكتاب الورقى على الرغم من أزمة التطور التكنولوجى فأنا أعتقد أنه مازل وسيظل الكتاب الورقى يؤدى دوره ربما لعدة قرون قادمة.


استمتعت برواياتى المسموعة
وفى الختام تقول الأديبة د. سالى مجدى: الكتاب المسموع هو مجرد تطور تكنولوجى ولكن ليس بديلا عن الكتاب الورقى بالطبع، تخيل انك اثناء قيادتك لسيارتك فى سفر مثلا يمكنك سماع روايتك المفضلة بدلا من المذياع والأغاني، وهكذا أصبحت الرواية متاحة بعيدا عن تركيز العين للقراءة داخل الصفحات والجلوس على أريكة وثيرة، وأصبح يمكنك سماعها كأنها مسلسل إذاعي لاقتصاد وقتك واستغلاله، وهكذا اتسعت دائرة القراءة، وأصبحت الروايات أكثر انتشارا، وعن نفسى وجدت معظم رواياتى قد تحولت إلى كتب مسموعة، فقررت خوض التجربة، وسماعها فوجدت أداء تمثيليا رائعا للحوار وإلقاء مبهرًا يحمل إحساس الجمل وليس حروفها فقط على إيدى شباب محترفين، والحقيقة أن الكتاب المسموع تطور رائع ولكنه ليس بديلا.