صدى الصوت

غريب فى وطنه!

عمرو الديب
عمرو الديب

ما أروعك يا أيها اللسان الملآن خصوبة وثراء وقدرة على البيان، ولكنك -للأسف- مهان، مزدرى من أصحابك ومنبوذ من أبنائك، على الرغم من أنك واحد من أكثر الألسنة على وجه الأرض أصالة وغنى ومرونة وقابلية للاستمرارية، ويكفيك عزا أن رب الأكوان أثنى عليك فى التنزيل الأخير، ومنحك شرف التعبير عن الحقائق، والكشف عن مكنون الخلائق، والإفصاح عن المرامى الشريفة الشماء، ولكن فى عصور مسخ الهويات، واستلاب الملامح والسمات، أضحيت يا أيها اللسان المزدان بالتدفق واتساع الأفق، هدفا للقوى البغيضة التى أرادت طمس معالمك، وتغريبك فى أرضك، وتشريد أبنائك، وجعلهم يتسكعون على نواصى اللغات الأخرى، يستجدون الكلمات اللقيطة، وينتشلون فتات العبارات من الألسنة الشوهاء الغريبة، ويرطنون بقبيح الألفاظ ومنكر الأصوات، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولا يدركون واقعهم المرير، انهم صاروا متسولين وعالة على الآخرين، ومن حيث لايدرون أضحوا أضحوكة فى عيون أبناء الألسنة الأخرى، إذ يستعيرون ألفاظهم، وينطقونها بصورة خاطئة دائما، فيثيرون سخرية الآخرين من جهالتهم ووضاعة مسلكهم، فللأسف شاع أمر نبذ اللغة العربية، والتحدث بألسنة هجينة بصورة وبائية، حتى مجالس العامة والخاصة، وتجمعاتهم اليومية صارت «معمعة لغوية»، يحاول فيها دائما المتعالمون استخدام ألفاظ أجنبية فى غير مواضعها، وبعيدا عن مواطن استخدامها، وغالبا ما ينطقها هؤلاء الموصومون بالدونية، بصور مضحكة خاطئة، تنم عن جهلهم بالألسنة التى يستعيرون ألفاظها ويتسولون تعابيرها، وبعضهم يمزج حديثه ما بين عامية منحدرة وعربية ضبابية وكلمات أجنبية، فيجئ كلاما خليطا عجيبا شائها بالغ القبح، وهذا إلى جانب حوارات مواقع التواصل الاجتماعى التى لا تكاد تبين وتنحدر دائما بالأحاديث إلى مستوى مهين، وغنى عن البيان أن لجوء بعض العلماء والأطباء مثلا أثناء حديثهم إلى استخدام بعض المصطلحات العلمية بلغتها الأصلية أمر مستثنى، من هذا الاستهجان، لأنهم مضطرون إلى ذلك لغياب المقابل الفصيح لمصطلحاتهم، أو لعدم شيوع هذا المقابل، ولا يمكن بأى حال التغاضى عن إهمال المجامع اللغوية العربية فى معالجة الأمر برمته، وفى مقدمتها مجمع الخالدين فى القاهرة، الذى تنتشر هذه الفوضى اللغوية على مرأى ومسمع من أعضائه، ولكنهم يكتفون بعقد بعض الجلسات والمؤتمرات وبإصدار التوصيات دون النزول إلى معترك الواقع، والتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومحاولة انتشال أجمل لسان من حضيض الهوان!