حبوا بعض

إنسان

أمنية طلعت
أمنية طلعت

لا يوجد إنسان على الأرض بلا حلم، ومهما كان الحلم بسيطاً فهو كبير فى عين حالمه، فعندما كان حلمى هو أن أنهى دراستى الثانوية بتفوق كى ألتحق بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، بدا الحلم كبيراً جداً وبعيداً يجاور النجوم السابحة فى بحر السماء.
أحلام كثيرة أغلبها شخصى، فقليلون هم من يحلمون بتحقيق أهداف تخدم غيرهم. تحتاج إلى صفات خاصة جداً كى تستطيع إنكار ذاتك فى سبيل المجموع، وحتى وإن تحدثت كثيراً عن أهمية أن نخدم مجتمعنا، فالحديث لا يوازى الفعل. مع الفعل تدفع أثماناً كثيرة، حتى لهؤلاء الجماهير التى تحاول خدمتها، لذلك فإن من يحلم لغيره يحتاج إلى رباطة جأش وقوة احتمال بعيدة المدى.
خلال الأيام القليلة الماضية، شهدت على حلمين وقد تحققا. يختلف الحلمان، لكن كليهما يخدم الناس، فلقد نشر أمس الزميل محمد الجارحى فيديو عبر موقع تويتر عما آلت إليه مستشفى 25 يناير التى شرع فى بنائها لأهل قريته شبراوين التابعة لمركز ههيا فى محافظة الشرقية بنظام التبرعات، عقب ثورة 25 يناير مباشرة، ففى الوقت الذى سعى كثيرون نحو تحقيق طموحاتهم السياسية آنذاك، وقف محمد الجارحى على حدود حلم يخدم أهل القرى المنسيين، وقرر أن يبنى لأبناء قريته المحرومين من الخدمات مستشفى على أحدث الطرز الطبية العالمية. عانى الجارحى كثيراً طوال السنوات الماضية، من اتهامات بسرقة أموال التبرعات وادعاءات باطلة تمس شخصه، كان من الممكن أن يتخلى عن حلمه بسببها، خاصة وأنه حلم لخدمة الناس وليس لخدمة نفسه، لكنه أبى إلا أن يظل صامداً حتى ينتهى من هذا الصرح العظيم. وها هو محمد ينشر فيديو يعلن فيه انتهاء بناء المستشفى وتزويدها بالكثير من الأجهزة الطبية.
الحلم الثانى، هو مدينة سنبل التى بناها الفنان محمد صبحى فى الطريق الصحراوى باتجاه الإسكندرية، كان من أوائل الذين شقوا شريط الصحراء وبنى صرحاً فنياً هناك، فى الوقت الذى لم يكن يرد على عقل أحد أن يخطو أبعد من حدود «وسط البلد». حلم صبحى بمجتمع جديد يحكمه الانضباط، وبدأ بنفسه فبنى صرحاً فنياً تشعر للحظة وأنت تستمتع بنظامه الدقيق أنك سافرت إلى مدينة أفلاطون الخيالية، فالأمر لا علاقة له بما يقدمه صبحى من فن، فنحن لا يساورنا الشك فى قيمة فنه، ولكنه يرتبط بهذا العالم الخيالى الذى حققه صبحى على الأرض، ويكفى أنه يقيم «استوديو ممثل» للشباب بالمجان ويأخذ النابهين من تلاميذه ليعملوا معه.
طوبى لمن حلم للناس وحقق حلمه منكراً ذاته.