إنها مصر

تتقارب الأجساد وبينهم بلاد !

كرم جبر
كرم جبر

السماء قد لا تضيق به، بعد أن ضاقت به الأرض، وصعد أعلى برج القاهرة، وقفز فى الهواء، فى مشهد مأساوى مرعب مزق قلوبنا حزناً.
سرح تفكيرى فى اللحظات التى عاشها «نادر» فى المسافة من أعلى البرج حتى ارتطم بالأرض، فى أى شيء كان يفكر، وهل إذا أتيحت له فرصة التراجع كان يفعل ذلك؟
كيف يصبح الموت أغلى من الحياة، فيبادر شاب فى كلية الهندسة بالانتحار، إلا إذا كانت الظروف التى يمر بها جعلته يكره الحياة والناس والبشر والغش والخداع؟
منذ أيام قليلة فاجأتنا شابة جميلة من الإسماعيلية، بالانتحار فى النيل، وهى أيضاً طالبة جامعية، اختارت موتاً لا يقل ألماً ورعباً عن القفز من أعلى البرج.
فكرت أيضاً فيما كانت تشعر به الفتاة المنتحرة، حين حاصرتها المياه، وجذبتها إلى القاع، وملأت أنفها وفمها ورئتيها، ونحن لا نحتمل البقاء لحظة فى أسانسير انقطعت عنه الكهرباء.
«لو» جلس الشاب والفتاة المنتحران مع بعضهما، ربما تراجعا باقتسام الوجع والهموم والألم.. ولكن لأن «لو» تفتح عمل الشيطان، زين لهما الشيطان الطريق إلى الموت، وكأنه أفضل من الحياة.
اقتسام الأفراح والأحزان والتعاطف النفسى والحوار الوجدانى والإحساس بالغير.. كلها أشياء افتقدناها فى زحمة الحياة، فشيدت الغربة أسواراً من العزلة حول الناس رغم الازدحام الشديد.
ومن منا ليس موجوعاً نفسياً، بدرجات متفاوتة.
ألم تشعر يوماً أنك تريد أن تعتزل الناس، وتعتكف داخل ذاتك، بعيداً عن الحقد والكراهية والغل والحسد، حتى تستريح من الألسنة الحادة والعيون النافذة؟
الأزواج صاروا متجاورين فى الفراش وغرباء فى الحياة، مع أن تلامس الأرواح فيه دواء وشفاء ومودة ورحمة وعشرة، الكلام الطيب مفتاح القلوب وليس الجفاء الذى يغلقها بالأقفال.
والأولاد صاروا عبيداً للموبايل، واتسعت الفجوة بين الأجيال حتى صارت بلاداً، مع أن أمثالنا القديمة تقول «إن كبر ابنك خاويه»، أى اجعله أخاً يشاركك الدنيا بحلوها ومرها.
كل الناس يشكون من كل الناس وأنهم سيئون، فأين إذن هم الطيبون، وكيف تعثر عليهم، وما هى مواصفاتهم، وفى أى بقعة من أرض مصر يعيشون؟
>>>
مولانا.. الرحمة حلوة.
فلا ترفع السبابة اليمنى وتعقبها اليسرى، وتقول إنه «مات كافراً لأنه استعجل الموت بإزهاق الروح»، فمن الذى قال لك إنه كان فى حالة نفسية تسمح له بالتفكير والاختيار؟
المولى عز وجل وحده هو الذى يعلم ما يمر به الإنسان من أثقال، جعلته يضحى بأغلى شيء وهو الحياة، ليتخلص من أسوأ شيء وهو الحياة، هرباً من جحيم لا يحتمل هو الحياة.
مولانا: الأحضان أحن من الكرابيج، والدعوة إلى العودة إلى الله، وتحبيذ الصبر والإيمان، أفضل من التهديد والترهيب، فهل هناك كارثة تحل بإنسان، أكثر من أن يفقد عقله وتفكيره، ويختار الموت بالرعب؟.. ارحموا من فى الأرض.