الاقتصاد غير الرسمي.. «فهلوة» بلا رقابة

الاقتصاد غير الرسمى.. «فهلوة» بلا رقابة!
الاقتصاد غير الرسمى.. «فهلوة» بلا رقابة!

- أسواق وأكشاك و«مقاهي» غير مسجلة في الدولة.. وتجني مليارات الجنيهات

- 1.5 تريليون جنيه حجم بيزنس «التجارة السوداء»..ولا عزاء للضرائب

- صاحب مقهى : ندفع تحت الترابيزة لمنع تحرير المحاضر

 

اقتصاد «بير السلم» أو الاقتصاد غير الرسمي ذلك الستار الخفى الذى يختبئ خلفه كل من تسول له نفسه أن يتهرب من دفع حقوق الدولة التى توفر له كثيرا من السبل كنوع من المساعدة ليخرج مشروعه إلى النور.

هنا فى مصر تهدر مئات الملايين بل المليارات سنويا -تضيع هباء- بعيدا عن خزينة الدولة ويضعف الاقتصاد الرسمى لها لضعف الرقابة من ناحية ومن ناحية أخرى لوجود كثير ممن يضربون بكل القوانين عرض الحائط ويتحدون الدولة بشكل واضح وصريح ويفترشون بضائعهم فى أسواق عديدة أو من خلال محال تجارية تفتح أبوابها دون استصدار تصاريح أو تراخيص أو من خلال «ضرب» فواتير تزور فيها ما تزوره لتظهر تكبدها خسائر فادحة ومن ثم تهرب من دفع الضرائب للدولة.. صاحب ذلك تنوع كبير فى روافد اقتصاد «بير السلم» فمع الاسواق انتشرت المحال غير المرخصة والأكشاك وعربات البضائع والمأكولات بمختلف أنواعها التى ملأت الشوارع والميادين وغيرها.. لدرجة أنه يمكن القول أن أرباح الاقتصاد غير الرسمى جميعها تدخل جيوب المنتفعين دون أن يعطوا للوطن حقه من ضرائب ورسوم تعود بالنفع بعد ذلك على المجتمع، ليبنوا بالفساد سداً على أهم روافد دعم الاقتصاد المصرى والانفاق على المشروعات القومية والتنموية.

وكشف تقرير صادر من معهد التخطيط أن حجم التعاملات الاقتصادية غير الرسمية تتراوح بين 1.2 و1.5 تريليون جنيه.. فالسوق السوداء ليست مرتبطة فقط بتجارة الدولار أو العملة، ولكنها جميع عمليات التجارة التى تتم خارج الاقتصاد الرسمى.. لانها تؤدى إلى اهدار موارد الوطن تحت اسم «الفهلوة».

«الاكشاك.. والمقاهى المخالفة» وجهان لعملة واحدة.. يتخفى بداخلها الخارجون عن القانون وبائعو السموم والمخدرات على مسمع ومرأى من الجميع، ورغم الحملات الشرسة التى تشنها الأجهزة التنفيذية، إلا أنهما نجحا فى تشويه الوجه الحضارى للعاصمة وإخفاء اللمسات الجمالية للميادين والشوارع الرئيسية، والتهرب من سداد ملايين الجنيهات لخزينة الدولة والتحايل على القانون.. «الأخبار» رصدت بالكلمة والصورة فوضى أصحاب الأكشاك والمقاهى غير المُرخصة.

فبمجرد أن تطأ قدمك شوارع المحروسة، تجد العديد من الأكشاك المخالفة تسيطر على جنبات مداخل الشوارع، يتخفى بداخلها الخارجون عن القانون لبيع المخدرات على المدمنين واللصوص والمسجلين، وحولت حياة سكان بعض المناطق إلى رعب بات يهدد حياتهم اليومية، ولم يكتف أصحابها باحتلال الشوارع بل قاموا بتحويلها إلى «سوبر ماركت» عشوائى، يحتوى على الفاترينات ومبردات للمشروبات الغازية وعشرات الكراتين.. وغيرها بنهر الطريق فى تحد صارخ للأجهزة التنفيذية، فضلاً عن سرقة تيار الكهرباء من أعمدة الأنارة القريبة وإخفاء الأسلاك بالطبقات الأسمنتية لمنع اكتشافها.. أما عن المقاهى غير المُرخصة فحدث ولا حرج، حيث تزايدت اعدادها بشكل كبير بالشوارع الرئيسية، دون سداد حق الدولة واستغل أصحابها الأرصفة والشوارع وقاموا بوضع الشاشات الإليكترونية بالإضافة للكراسى و»الشيش»، لاستيعاب أكبر عدد من المترددين، دون الحصول على تراخيص من الأجهزة التنفيذية بالوحدات المحلية، رغم سهولة إجراءات الحصول عليها، وتحتضن تلك المقاهى أحيانا «مروجى المواد المخدرة»، والخارجين عن القانون لمعاكسة والتحرش بالفتيات والسيدات، وغالبا يتحايل أصحابها دائمًا على روح القانون خلال الحملات التى تستهدفها بدفع الغرامات الوهمية التى لا تتناسب مع مخالفاتهم.

 ويهدر أصحاب المحال والمقاهى غير المُرخصة ملايين الجنيهات على خزينة الدولة، من خلال التهرب من سداد مستحقات الدولة «ضرائب، رسوم وتراخيص»، والإكتفاء بدفع الغرامات البسيطة لإعادة فتحها من جديد.

«الحل بسيط»

الأهالى أكدوا أن الحل بسيط يُكمن فى تكثيف الحملات المكبرة لإزالة الأكشاك المخالفة وإغلاق وتشميع المقاهى غير المرخصة، ومتابعتها فور الانتهاء منها بصفة مستمرة لضمان عدم عودتهما من جديد، وإجبار أصحابهما على تراخيص مما يعود بالنفع على الدولة من خلال تحصيل الضرائب ورسوم التراخيص، وإحكام الرقابة وضبط البلطجة والخارجين عن القانون.

وأوضح محمد مصطفى صاحب مقاهى، أننا نقوم بإغلاق أبواب المقهى فى حال قيام الأجهزة التنفيذية بشن حملات، وفتحها فور الانتهاء منها، وفى حالة قيام حملة مفاجئة وتحريز الكراسى ومستلزمات المقهى نقوم بدفع الغرامات القانونية التى تتراوح مابين 50 إلى 100 جنيه، مشيرًا إلى أن العقوبة الوحيدة هى تحرير محاضر للمخالفين والغرامة وأنهم يفضلون اللجوء لرشوة الموظفين عديمى الضمير لعدم تحرير محاضر بالمخالفات.. وأضاف هانى السيد أن المقاهى أصبحت مأوى للبلطجية ومرتعا خصبا للخارجين عن القانون بمجرد حلول الليل، يتحرشون بالفتيات والسيدات ويتعرضون لهن بأبشع الألفاظ، مؤكدًا على ضرورة عودة هيبة الدولة من خلال تشميع المقاهى وإغلاقها نهائيا، وإزالة كافة الأكشاك من الشوارع والميادين، وكذلك فرض عقوبات رادعة على أصحابها فى حالة تكرار المخالفة وإعادة فتحها.

وأكد محمد سعيد موظف أن تقاعس المحليات خلال الفترة الماضية تسبب فى تزايد أعداد الأكشاك المخالفة والمقاهى غير المُرخصة، التى ساعدت فى تحويل الشباب العاطل إلى مجرمين، يجلسون على المقاهى لمعاكسة الفتيات والتحرش بهن، فضلًا عن تحول الأكشاك لأوكار لبيع المخدرات علنيا أمام أعين الجميع، مطالبًا بضرورة تكاتف الأجهزة الأمنية والتنفيذية للقضاء نهائيا على العشوائيات.

«الفهلوة في الأسواق»

عندما بدأت جولتنا ومررنا فيها فى رحلة سريعة على كل اشكال اقتصاد «بير السلم» وجدنا تجلى واضح وصريح «للتجارة السوداء» التى تبعد كل البعد عن اقتصاد الدولة الرسمى ولكنها لم تعد مجرد محاولات فردية لبائع متجول أو حتى «سريح» انما أصبحت تجارة ضخمة متمثلة فى أسواق كاملة تعمل فى خفاء تام بعيدا عن سيادة القانون.. لتصبح كلمة «الفهلوة» هى السائدة للعبور من بوابة ذلك الاقتصاد او التجارة السوداء.. «الأخبار» قامت بجولة فى شوارع وأسواق القاهرة لتكشف بالكلمة والصورة العالم السرى للاقتصاد الأسود الذى تحول إلى أسواق كاملة وتجارة رابحة لأصحابها ومليارات هاربة من خزينة الدولة.

هنا فى العتبة تلك الدولة الموجودة داخل حدود الدولة لاصوت يعلو فوق صوت الفوضى ويصعب عليك عندما تطأ قدمك فيها أن ترى ضوء الشمس وهو ينعكس على أسفلت الطريق بسبب تلك الاسواق العشوائية والعربات الموضوع عليها مختلف البضائع فلا مجال للأحاديث أو الحلقات النقاشية فكل البائعين منهمكون فى اختيار افضل مكان لافتراش بضائعهم ـ التى غالبا ما تكون على الارض- واحتلال مساحتها فهم يعرفون أفضل السبل واقصر الطرق للسيطرة عليها ومنع المواطنين من السير او غالبا اعاقة حركتهم حتى يجبروهم فى النهاية على السير من أماكن اخرى غير شوارع العتبة التاريخية.

«الإحالة للنيابة»

أكد اللواء خالد قاسم المتحدث باسم وزارة التنمية المحلية، أن الأجهزة التنفيذية بكافة الأحياء بدأت تتعافى بشكل كبير لضبط الفساد والمخالفين، من خلال شن حملات مستمرة على أرض الواقع، مشيرًا إلى أن المحافظات لديها خطة استثمارية متكاملة للاستفادة من أوجة الاقتصاد غير الرسمى وذلك لتعظيم الموارد الذاتية للمحافظة والقيام بمشروعات قومية تخدم المواطن.

 وأشار قاسم إلى أن هناك تنافسية بين المحافظات على الانتهاء من إجراءات تقنين وترخيص مركبات «التوك توك» لضبط الأداء وتقليل معدلات الجرائم المرتكبة نهائيا، وأن نسبة تراخيص التوك توك تزايدت إلى 53%، حيث تم ترخيص 222 ألف توك توك من أصل 428 ألفا، مؤكدًا أنه سيتم سحب المركبات المرخصة فى حالة سيرها دون المخطط المسموح لها به داخل القرى والنجوع، ويمنع عمالة الأطفال عليه نهائيا وكذلك تم إصدار قرار بمنع استيراد قطع الغيار لعدم تجميعه من جديد داخل مصر.

وأضاف المتحدث الرسمى أن الأجهزة التنفيذية تتمتع بأدوات رادعة للمخالفين سواء بالمقاهى المخالفة أو الأكشاك والمحال غير المُرخصة، وتتمثل فى التنبيه عليهم بضرورة تقنين أوضاعهم وإزالة المخالفات وتحرير محاضر لهم، وفى حالة عدم الردع يقوم قطاع الرقابة والتفتيش بالوزارة بالتنسيق مع الحى ورجال الشرطة بشن حملات مكبرة لغلق وتشميع المحال والمقاهى غير المُرخصة وتحويل أصحابها للنيابة على الفور، ويمنع فتحها مرة أخرى إلا بموجب الحصول على ترخيص بها.

وأوضح د.خالد قاسم أن هناك متابعة ومرور مستمر لرؤساء الأحياء على كافة المحال التجارية والمقاهى بالتعاون مع الأجهزة المعنية، لردع المخالفين ولضمان عدم عودتهم للمخالفة من جديد.