«عمال النظافة».. أيادٍ معذبة في الطريق لا يعرف الناس عن مآسيهم شيئا

مآسي عمال النظافة لا تتوقف
مآسي عمال النظافة لا تتوقف

العمال: لا نعيش مثل البشر.. وحياتنا معرضة للخطر بدون تأمين
لا تربطنا عقودا بهيئة النظافة.. ونقع ضحية جشع الموردين
محافظة القاهرة: ملتزمون بدفع الرواتب والعطلة من "الوسطاء"
"التنمية المحلية": لهم دور هام في المنظومة الجديدة.. وسنعمل على حفظ حقوقهم
 

بشر مثل كل البشر، أطلقتهم «الحوجة» وقلة ذات اليد إلى الطرقات والشوراع، يرفعون أحمالا وأطنانا من القمامة والحجارة والتراب، تلفح وجوههم أشعة الشمس المحرقة في النهار ويسد أنوفهم الغبار، ويغزو الهواء البارد أجسادهم بالليل، وبين هذا وذاك تقتلهم نظرات المجتمع التي تخترق أجسادهم الضعيفة فتزيدها وهنا على وهن، لينتهي كل ذلك بجنيهات قليلة لا تكاد تسد رمق جوعهم أو سد احتياجات من يعولون.

 

الحديث هنا ليس على أناس غريبين عن المجتمع، فكل يوم ترمق أعيننا «عامل نظافة» لم نفكر يوما أن نشاهد مأساة جسدها الواقع وفرضتها الحياة على عامل يعيش بلا أي مظلة رسمية تحميه سوء الأقدرا أو نوائب الزمن، كل سلاحه في الحياة هي عصاة تقف على مكنسة يجر بها مخلفات مواطنين غيره، وفضلا عن ذلك كله فيرمى له فتات من الأموال آخر كل يوم.

 

«بوابة أخبار اليوم» عاشت بين «عمال النظافة»، لتنقل مآسيهم وظروفهم العملية والمعيشية التي اضطرت بعضا منهم إلى التسول، وآخرون افترشوا الأرض ليهنئوا بالنوم ساعة أو ساعتين وسط الطريق ليواصلوا العمل بأكثر من 16 ساعة في اليوم، والبعض الآخر زهقت أرواحهم وهم ممسكين بـ«المقشة» فراحوا ضحية واقع مرير ولم تتحصل أسرهم حتى على عرق يومهم الذين قتلوا فيه.


وبالنظر إلى الحالة المتدنية التى يعيش بها عامل النظافة من ضعف الراتب ومحدودية الإمكانات ووسائل الأمان، نرصد العديد من المشكلات التي تلقى على أكتافهم أحمالاً أخرى لا يعرفها أحد، فهناك استغلال واضح من قبل الموردين الذين تتعاقد معهم هيئة النظافة لتشغيل العمال في الشوارع.


وللتعرف على القصة من البداية؛ فمن هو هذا «المورد»؟ هو الشخص المسئول عن تشغيل عمال النظافة، فهم لا تربطهم أي عقود أو تعاقدات مع هيئة نظافة القاهرة، وإنما مثل «الأجير» الذي يأتي به «المورد» من أجل العمل، بلا أي عقد أو تأمين صحي أو اجتماعي أو حتى وسائل أمان أثناء العمل.


وفوق كل هذا؛ فقوت يوم عامل النظافة في يد «المورد» الذي يتلاعب بأموال الهيئة أحياناً ضارباً عرض الحائط بمصلحة العمال الذين يُرمى لهم الفتات.

«بوابة أخبار اليوم» تكشف في التحقيق التالي معاناة ومشاكل عمال النظافة بمحافظة القاهرة الذين تلاحقهم دوماً اتهامات الإهمال والتسيب وتركك القمامة أكواماً في شوارع المحافظة، دون أن يعرف أحد المعاناة التى تعيشها هذه الفئة وما تواجهه من إهدار للحقوق يرقى إلى «استغلال البشر».


في وسط شوارع القاهرة؛ وتحديدًا بحي مدينة نصر – الشريان الحيوي بالعاصمة-يقف رجل ظهرت عليه علامات قسوة الزمان وتجاعيد وجهه تدل على المعاناة والحياة الصعبة التي يعيشها، «إبراهيم أحمد» 61 عاماً يمسك بمكنسته وينظف الشارع ويقول إنه يعمل في هذه المهنة منذ عام تقريبًا، بعد أن كان يعمل نقاشًا ومع ظهور أشكال جديدة في عالم الطلاء أصبحت مهنته كالديناصور المريض وشارفت على الانقراض، وأصبح هو معها تقريباً بلا عمل.


ويستكمل أن أحد الأشخاص عرض عليه أن يعمل عامل نظافة باليومية، فبدأ في تلك المهنة وهو لا يعرف عنها أي معلومة، ولكنه اصطدم بمأساة أن نظام العمل بالهيئة يكون باليومية بدون عقد وتأمينات على أرواح العمال، بالإضافة إلى المقابل المادي الزهيد، فهو يحصل على راتب بواقع 60 جنيها يومياً، وفي نهاية الشهر يصطدم بالواقع فيتأخر الراتب لمدة 20 يومياً, مما يسبب معاناة للعامل الذي يعجز عن سد احتياجات منزله.


ويشير عامل النظافة إلى أن لديه ثلاثة أولاد جميعهم في المراحل التعليمية وأجبر على تلك المهنة من أجل توفير مصاريفهم اليومية، مؤكدا أن يوميته كانت في الماضي 85 جنيها وتم تخفيضها لتصل 60 جنيها مشيرا إلى أن هذا المبلغ لا يكفي احتياجاته اليومية.


محرمون من الإجازات الرسمية


ويضيف «إبراهيم» أنه لا يعيش مثل البشر فجميع الإجازات الرسمية يعمل فيها دون بدل، مشيراً إلى أن الأشهر التي تكون 31 يوما، يعمل في جميع أيامها ولا يأخذ أجرًا عليها وفي حالة الاعتراض يتم تهديده بالفصل عن العمل.


أما «محمد عبد العال» 44 عامًا، من محافظة المنوفية، يقول إنه يعمل ورديتن أو أكثر خلال اليوم من أجل أن يوفر احتياجات بيته، فلديه أربعة أولاد جميعهم في المراحل التعليمية، كما أنه ينام في الشارع لأنه لا يستطيع السفر يومياً للمنوفية، فينام ساعتين بالشارع من خلال افتراش "كرتونة" والنوم عليها ثم يستيقظ لإكمال عمله، مشيرا إلى أنه على الرغم من تأخير الراتب الشهري لهم لا يوجد تأمين على حياتهم ويعملون باليومية ويمكن أن يتعرض منهم أي شخص لحادث إصابة ولا يتم تعويضه.


ويطالب "عبد العال" بأن يتم توقيع عقود بين الهيئة وعمال النظافة، وأن يتم التأمين على حياتهم من أجل حفظ كرامتهم أمام المواطنين الذين ينظرون إلينا وكأننا مواطنين درجة ثانية.


إصابات العمل


ويقول محمد عبد العال أنه يتعرضون لكثير من الإصابات أثناء العمل حيث أنهم يقوموا بتنظيف الشوارع وتفريغ صناديق القمامة دون وقاية أو حماية لهم فمن الممكن التعرض لجرح في اليد من الزجاج، مؤكدا أن أحد زملائه تعرض لحادث تصام سيارة منذ يومين أثناء العمل ومتوقف عن العمل دون أي تعويض.


الأمر لم يوقف عند ذلك الحد عند عمال النظافة، فكانت الفاجعة الكبرى عن موت زميلهم إثر حادث سيارة أثناء عمله في تنظيف الشارع، فيقول شقيق عامل النظافة المتوفى "إن أخيه محمد إبراهيم كان يعمل منذ عام في تلك المهنة من أجل توفير احتياجات بيته وفي ساعة متأخرة من ليل كان يقوم بـ«كنس» الشارع فجاءت سيارة مسرعة، فصدمته ولقي مصرعه على الفور ولم تحصل أسرته على أي تعويض أو حتى أجر يومه وترك خلفه طفلين صغيرين أكبرهما 8 سنوات وزوجة بدون أي دخل لهم.


التسول إجباراً
من جانب آخر قال عامل نظافة رفض ذكر اسمه خوفا على وظيفته إنه كان يعمل في الخردة، وعندما ضاق عليه الحال بدأ في مزاولة هذه المهنة، وأن معظم العمال يقبلون الأموال من المواطنين على سبيل «الحسنة» بسبب تأخر صرف المرتبات وضعفها في الوقت نفسه، مشيرًا إلى أنه توقف عن العمل منذ فترة بسبب مرضه فكان طريح الفراش وأصبح لا يستطيع أن يوفر حق الدواء.


ويضيف "أن جميع عمال النظافة ليسوا مدربين على العمل بتلك المهنة، ويجب تدريبهم  على كيفية تنظيف الشوارع، وتوفير سبل الحماية لهم، والكشف الطبي باستمرار، مشيرًا إلى أنه مصاب بمرض صدري وعلى الرغم من ذلك يعمل في القمامة وهذا يؤثر عليه ولكن الظروف تجبره على ذلك.


بينما يقول كمال ثابت 55 عاما، من شبرا الخيمة "إن في بعض الأحيان يتعرضون لمضايقات من المواطنين وينظرون إليهم نظرة دونية، كما أنهم في بعض الأحيان يجبرهم على تنظيم حدائق منازلهم الخاصة على الرغم أن هذا ليس من اختصاصاتهم ولكن يخشون الرفض خوفا على ترك المهنة". 

رد المحافظة

أكد مصدر بمحافظة القاهرة أن المحافظة تقوم بتوريد الأموال في بداية الشهر لكل الموردين الذين تعقد معهم من أجل صرفها للعمال في بداية الشهر مؤكدا في حالة تأخير الرواتب يون ذل بسبب المورد وليس الهيئة.

وأضاف المصدر في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» أن المحافظة طلبت بعمل عقود سنوية لعمال النظافة من أجل نجاح منظومة النظافة مشيرا إلى أن العمالة اليومية غير متخصصة هي السبب الرئيسي في فشل منظومة النظافة في الشوارع.

التنمية المحلية ترد

من جانب أخر قال د.خالد قاسم مساعد وزير التنمية المحلية إن عمال النظافة في المنظومة الجديدة سيكون لهم دورا فعالا وسيتم تنظيمهم من أجل نجاح المنظومة.

وأضاف قاسم في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» أن العمال سيتم عمل عقود لهم مع شركات النظافة التي سيقع عليها المناقصة من أجل حفظ حقوقهم مشيرا إلى أنه سيتم تقسيمهم إلى عمال الجمع السكني، وعمال نظافة شوارع ، وعمال محطات الوسيطة والمصانع لتكون منظمة.

وأشار مساعد وزير التنمية المحلية إلى أن سيتم تدريب جميع العمال النظافة في المنظومة الجديدة، مؤكدا أن الشركات التي ستعاون مع هيئات النظافة سيتم وضع مناقصات عليها من أجل أن تكون مسئولة أمام الوزارة لتطبيق المنظومة وذلك من خلال كراسة الشروط