عمرو الخياط يكتب| حديث الإفك في رويترز

الكاتب الصحفي عمرو الخياط
الكاتب الصحفي عمرو الخياط

في مصر فقط لا يمكن أن تميز بين السائح واللاجئ، مصر صاحبة قدرة متفردة على الاحتضان والدمج والاندماج، في شوارعها يذوب اللاجئون إليها وسط سكانها الأصليين، فلا تشعر أن المصري يعاني أثار مكون أجنبي، كما لا يشعر اللاجئ بحالة الغربة التي دفعته لترك بلاده، بعد مرور شهور على لجوئه إلى مصر يكتسب قدرة مدهشة على التعايش والتعاطي مع بيئته الجديدة، بينما يضطر هؤلاء إلى اللجوء لمصر فإن مصر تسبقهم باختيار اللجوء إلى قلوبهم.
في أوروبا أصبحت ظاهرة اللجوء كارثة سياسية تهدد الأمن القومي لدول الاتحاد، وفِي الولايات المتحدة الأمريكية تبنى الأسوار على الحدود مع المكسيك، وفِي مصر يمشي اللاجئون في الأسواق حيث لا معسكرات ولا مخيمات، من العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان وكل دول إفريقيا، ولا تندهش عندما تعلم بوجود لاجئين أتراك هربا من عصابة اردوغان، الجميع يعيش على أرض مصر فتحتضنه هويتها التي تقبل بالتنوع والاختلاف قبولا ليس له مثيل بينما أمنها القومي يزداد تنوعا وثراء بتنوع الوافدين إليها.
إذا كان اللجوء إلى مصر اضطراريا لبعض اللاجئين فإن معايشتها ومعاشرة أهلها سرعان ما تتحول إلى منهج للحياة كما لو كان اللاجئ قد هاجر إلى وطنه.
وسط هذه الحالة من التعايش تظهر حالات شاذة تسىء لمصر قبل أى شىء، وعلى مواقع التواصل ينتشر مقطع لشابين يسخران ويتنمران على لاجئ من جنوب السودان في الطريق العام دون أسباب، التنمر هنا ليس بالشخص اللاجئ بل تنمر مقيت بمفهوم الإنسانية المصرية.
الواقعة لا يجب أن تمر مرورا سائغا لأن مرتكبي تلك الجريمة الإنسانية وإن كانا غير مدركين لجريمتهما فإن هناك من كان يدرك ذلك فراح يروج للمشهد بكثافة ليقول إن مصر «بلد الإنسانية المستباحة»، هي بداية لمحاولة تفكيك أحد أهم مقومات الهوية المصرية الأصيلة التي لم تعرف التمييز ابدا.
المشهد الذي بدأ وكأنه بسيط وعفوي سيستخدم لنقل جريمة تاريخية ارتكبها الغرب باسم العنصرية إلى مسرح دخيل عليها على أرض مصر، من أجل أن تدفع مصر ثمنا لجريمة لم تعرفها يوما ما.
الجريمة متكاملة الأركان تقول إن مصر هكذا تعامل اللاجئ المحمي دوليا فلا تحترم مواثيقها الدولية، فكيف الحال إذن مع السائح الذي لا يتمتع بنفس درجة الحماية؟!.
اللاجئ «جون» لم تتركه مصر الرسمية بل سارعت بضبط الجناة، ثم وجهت له الدعوة ضيفا كريما على منتدى الشباب القادم.
توجيه الدعوة هنا اعتذار واحترام وتقدير من مؤسسة الدولة المصرية إلى إنسانية اللاجئ السوداني وإنسانية كل سوداني وكل لاجئ، هنا مصر تقول إنها أساس الإنسانية التي قامت عليها حضارتها.
اذا رجعنا إلى الوراء خطوات قليلة على استقامة الخط سنجد أن وكالة أنباء «رويترز» وهي وكالة استخبارات بامتياز كانت قد نشرت تقريرا خلال شهر أكتوبر بعنوان «لاجئات إفريقيات بمصر يتحدثن عن تصاعد الاعتداءات الجنسية عليهن»، وهو تقرير يفتقد للمهنية والإنسانية ومُسيَّس بامتياز، يهدف لقول إن مصر بلد غير آمن تستباح فيه الأعراض والمواثيق الدولية، كما يهدف لتوجيه رسائل للشعوب الإفريقية بأن مصر لا تحترمهم ولا تكترث بإنسانيتهم فى الوقت الذي تحاول فيه الدبلوماسية المصرية ترميم علاقاتها الإفريقية.
كما تعاملت مصر مع «جون»، فإنها لم تترك مهاترات «رويترز» العبثية بل راحت تدقق فيما نشر لتكتشف حجم أكاذيب ممنهجة ومذهلة، تحرك الدولة المصرية كشف مايلى:
إن رويترز لم تذكر اسم واحدة ممن زعمت تعرضهن للاعتداء.
إن أقسام الشرطة المصرية لم تشهد تحرير محاضر بالوقائع المزعومة.
نشرت رويترز تصريحات منسوبة للاجئة سودانية تدعى فاطمة عبدالقادر حسن والتي تبين أنها لم تدل بأى تصريحات للوكالة ولم تتواصل معها وهي موجودة في مصر.
السلطات المصرية كشفت أكاذيب رويترز فتواصلت مع نائب الممثل الإقليمى لمكتب مفوضية شئون اللاجئين والتي أكدت أن رويترز تواصلت معها بشأن التقرير للاستعلام عن أعداد وجنسيات اللاجئات اللاتي تعرضن للتحرش، فكان ردها بعدم وجود إحصائية بذلك لدى المفوضية، وأن بعض اللاجئات سبق لهن التقدم بشكاوى عن تعرضهن للتحرش من أقارب ومعارف يقمن معهن بنفس المسكن وتم تصنيف الحالات باعتبارها «اعتداءات جنسية منزلية».
لم تتوقف الدولة عند ذلك بل راجعت ملفاتها فاكتشفت أن حالات الاعتداء على اللاجئات وثقها رسميا المحضر المحرر بمعرفة لاجئة يمنية عن تعرضها لتحرش من شخص مقيم معها بنفس العقار وتم ضبطه، ومحضر آخر للاجئة صومالية عن تعرضها لتحرش من أحد الأشخاص وتم ضبطه، والحالتان عرضتا على النيابة العامة.
هكذا تكذب رويترز وهكذا تتفاعل الدولة المصرية.
بهذه الكيفية وبهذه المؤسسية تحتضن مصر اللاجئين إليها، بهذا العزم تضرب مصر بيد من حديد على كل من يخالف القانون وكل من يخالف قواعد الضمير المهني، بينما تُمارس رويترز الكذب العالمي وتبثه من مقرها المجاور لمكتب التنظيم الدولي الإخواني.