نصوص الأدب الخالدة.. وهمٌ أم حقيقة؟!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


روائع «شكسبير»، ومعلقات فطاحل الشعراء و«بؤساء» لفيكتور هيجو، «فاوست» لجوته و«الحرب والسلم» لتولوستوى، «ألف ليلة وليلة» التى لا نعرف لها مؤلفا محددا وغيرها من الأعمال التي توصف بأنها خالدة على مر الأجيال، وبأنها مثل الذهب والمعادن النفيسة لا تفقد بريقها مهما طال عليها الزمن فهل المستقر فى الأذهان بشأنها وهم أم حقيقة؟، وهل يمكن أن تفقد هذه النصوص بريقها خاصة لدى أجيال تسيطر على عالمها السرعة والإيقاع القافز، عدد من المفكرين والنقاد ناقشوا القضية عبر السطور التالية.

 

في البداية يقول الناقد الكبير د.محمد عبد المطلب إن الأعمال الأدبية مثل ألف ليلة وشكسبير ودانتى والتراث العربى والحكايات الشعبية مثل الزير سالم وعلى الزيبق والأميرة ذات الهمة، ومؤلفات الجاحظ، وشعر الغزل الأموى الذى تأثر به شعراء إسبانيا لازالت منبع أفكار الأدب فى العالم، حيث مازال الناس يرددون مقطوعات من تلك النصوص، فى حين أن بعض دور النشر أصبحت تروج الآن لأكاذيب، ويدعون أنهم يصدرون أعمالا ستعيش سنوات عديدة وتكون مؤثرة فى تاريخ الكتابة.


أما الناقد المتميز د.حسين حمودة فيقول: «الأعمال الخالدة» حقيقة لا يمكن إنكارها، حاضرة فى تاريخ الأدب وتاريخ الإبداع عموما، وهناك أعمال مثل «الإلياذة» و»الأوديسا» و«ألف ليلة وليلة» و«السيرة الهلالية» ومسرحيات شكسبير وشعر المتنبي، وروايات مثل «دون كيخوته»، وغيرها، تعتبر من هذه الأعمال الخالدة، العابرة للأزمنة وللثقافات وللغات وللمجتمعات، ويمكن البحث عن تفسيرات وراء خلود هذه الأعمال.

 

وفي هذه الوجهة هناك اجتهادات متعددة، منها مثلا أن بعض هذه الأعمال، في قضاياها وفي طريقة صياغتها الفنية، تخاطب «طفولة البشرية»، أي أنها تتواصل مع نبع إنسانى مشترك وثابت، ويمكن أيضا التفكير في تفسيرات أخرى، منها أن القضايا التى تتناولها هذه الأعمال الخالدة هي قضايا الإنسان في كل زمان ومكان، وفي كل مجتمع من المجتمعات التى عرفتها البشرية؛ ومنها قضايا الحياة والموت والحب والعدل والسعادة والبحث وغيرها، وكلها قضايا أبدية، لا يمكن أن تتلاشى أو تختفي في أي عصر من العصور، وبجانب هذا، هناك طبعا صياغات إبداعية جميلة، بسيطة وعميقة، غير قابلة للتقادم، وقادرة على أن تبث جمالها لمن يتلقاها دائما، وهى جزء أساسى من ملامح الأعمال الإبداعية الخالدة.


القضايا الإنسانية الكبرى
وتقول الناقدة د.ناهد راحيل: قد يعتبر البعض أن النصوص الإبداعية الخالدة هى تلك النصوص القابلة للتأويل والمنفتحة على كل قراءة جديدة، ومن ثم هى النصوص التى لا تخضع لشرط التحيينات المكانية ولا التعيينات الزمانية-وهو ما أميل له-، وقد يتحدد شرط الخلود لدى البعض الآخر فى القيمة الفنية لتكون النصوص الخالدة هى النصوص المتحركة وليست السكونية، أى المتغيرة فى تقنياتها الفنية والمتجاوزة فى تطورها لإطارها الزمنى - وهو ما يمكن مناقشته-، فرغم أهمية هذا الطرح وصحته فى بعض الأحيان؛ فإن من الصعب الأخذ به على إطلاقه؛ فالشكل الفنى متغير بتغير مستويات التجريب، وهناك أعمال تحمل سمة الكلاسيكية من حيث البناء الفنى والتقنى لكن كتب لها الخلود إلى الآن، وفى ظنى أن النصوص الإبداعية التى تتخذ من القضايا الإنسانية الكبرى موضوعا لها، والمكتوبة فى شروط اجتماعية وسياسية متقلبة، والمعبرة عن تحولات المشاعر الإنسانية وصراعات البشرية للبقاء، يمكن أن تتسم بالخلود حتى وإن تباينت اللغات والثقافات التى كتبت بها، وذلك لاهتمامها بالمصير الإنسانى ومتطلبات وجوده.
ثلاثية محفوظ وأيام طه حسين
وتقول الناقدة د.جهاد محمود: طبعا هناك نصوص حازت هذه القيمة الثقافية والحضارية، وأستطيع أن أحدد لك نصوصا تحقق لها ذلك وفى مقدمتها نص ألف ليلة وليلة الذى تحول إلى نص عالمى أثَّر فى مسيرة الإبداع العالمى والعربى وما زال مؤثرا حتى يومنا هذا، وتجاوز تأثيره الأدبى إلى الفنون المختلفة وبخاصة فنون الصورة، وهناك نصوص شعبية حازت هذه الحقيقة واثرت فى مسيرة الأدب والفن والسينما والمسرح مثل حكاية عنتر وعبلة وعلى الزيبق وسواهما من النصوص الشعبية، وهناك نصوص شعرية تحقق لها ذلك، ويمكن التمثيل ببردة كعب بن زهير فى مدح الرسول صلى الله عليه وسلم التى أثرت فى مسيرة الشعر العربى فاحتذاها البوصيرى فى برديته، ثم البارودى، ثم شوقى وغيرهم من الشعراء القدامى والمحدثين، وبالمثل نتابع نصوصا أشبه بالنصوص الأسطورية مثل رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى التى تأثر بها دانتى فى الكوميديا الإلهية، وفى العصر الحديث حازت ثلاثية نجيب محفوظ شيئا من هذه الخصوصية حتى أصبحت شخصية السيد أحمد عبد الجواد ذات ثقافية تمثل مرحلة من الزمن فى المجتمع العربى،.ومثلها الأيام لطه حسين، لكن فى الوقت نفسه هناك نصوص أخذت شهرة مؤقتة ثم انطفأت، وهى الغالب فى هذا المجال برغم محاولات الترويج الخادعة والكاذبة التى تقوم بها بعض دور النشر وبعض المراكز الثقافية، ومحاولة نقلها من كونها فنا أدبيا إلى سلعة رائجة بين الجمهور حتى إننى تابعت مرة إحدى الروايات التى كان لها صدى كبير عند ظهورها، وبعد ثلاثة أشهر وجدت طبعة لها هى الطبعة العشرين أى أنها كانت تصدر طبعة جديدة كل سبعة أيام، وهذا هو المحال وأعتقد أن كثيرا من الندوات التى تعقد حول بعض النصوص الأدبية الصادرة هى محاولة أيضا للترويج الكاذب الذى يوهم القراء بأن النص الذى يناقش أصبح من النصوص الخالدة فى مسيرة الأدب وهذا عكس الحقيقة، لكن الزمن قادر على تصفية الجيد من الردىء والخالد من الفاني، والحقيقي من المزيف.


ارتباك فى معنى الأدب!
وفي الختام تقول الناقدة زينب عبد الحميد: إن كان الأدب معنيا بالإنسان وما يواجهه من قضايا وأزمات؛ فكيف تفقد كل النصوص قدرتها على استمرار بريقها لأجيال عدة، بالطبع يمكن ملاحظة نصوص استطاعت التأثير عبر أجيال متتالية، بل وعبر ثقافات لغوية واجتماعية مختلفة، لا يمكن في الوقت ذاته إنكار ارتباط هذا التأثير بعاملين أولهما طبيعة القضايا التى تناقشها هذه النصوص، وقدرتها على عرض مشترك إنسانى عام بحيث تستطيع مواصلة طرح قضاياها لمساحة زمنية وجغرافية شاسعة، وثانيهما: قدرة النوع الأدبى الذى اختارته هذه النصوص على الاستمرار والانتشار وسط أشكال تعبيرية مغايرة، على سبيل المثال ظلت أشكال من الأدب الشعبى قادرة على الاستمرار فى التأثير مثل السير والأمثال الشعبية رغم تطور أشكال التعبير الأدبي، بل وعبرت بتأثيرها عبر جماعات وثقافات أخرى، وهذا التأثير لم يتعارض كذلك مع نشأة أنواع أدبية جديدة قادرة على التعبير عن قضايا إنسانية مستحدثة، وهى بدورها قد تصبح فى دائرة جديدة من الاستمرار والتأثير، وفي النهاية ربما يرتبك البعض حيال وظيفة الأدب ودوره وقدراته على خلق ذلك الجسر الفكرى الإنسانى المشترك، فيتعامل مع نصوصه بوصفها منتجَا للاستغلال في وقت بعينه ووسط جماعة بعينها.
 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي