مبادرة «القاهرة بلا كارو» لم تنجح

بين تعطيل المرور وتشويه الشوارع.. «الكارو» فوضى عكس الإتجاه

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

هل تنجح محافظة القاهرة فى القضاء على كلمة «عربجى» وتحول عربات الكارو إلى أصحاب تروسيكلات وعربات ربع نقل؟ هذه كانت أهداف مبادرة «القاهرة بلا كارو» التى أطلقتها محافظة القاهرة، لكن يبدو أن التجربة قد فشلت فمنذ الإعلان عنها فى 2016 إلا أن الوضع يزداد سوءا والعربات الكارو تنتشر بطول وعرض الشارع مع رفض قاطع من أصحاب العربات لهذه المبادرة، ورغم محاولات أجهزة المحافظة فى «الكر والفر» مع أصحاب هذه العربات إلا أن هذه المحاولات لم تنجح ومازال «الكارو» يكسب.


بداية أعلنت محافظة القاهرة انخفاض نسبة سير العربات الكارو بالقاهرة بنسبة 40% طبقاً للحصر الذى تم بمعرفة الأحياء والمتابعة الميدانية والذى قدر بعدد 1718 عربة كارو بالقاهرة تعمل فى مجالات نقل الخضر والفاكهة والحديد والأخشاب ومواد البناء والقمامة، بعد أن قام 538 سائقا بتبديل عرباتهم بتروسيكلات وتحفظ أجهزة الأحياء على 159 عربة والتعاون مع الجمعيات الأهلية بتنفيذ برنامج محو أمية لعدد 133 سائق كارو لمحو أميتهم لتأهيلهم لاستخراج رخص القيادة إلا أن «الأخبار» قامت بجولة على أرض الواقع.

 

بدأت الجولة فى حى روض الفرج حيث انتشرت العربات الكارو بطول وعرض الشارع فى مشهد فوضوى وفى حضرة رجال المتابعة الميدانية، والغريب فى الأمر أن عربات الكارو تسير عكس الاتجاه دون حسيب ولا رقيب.

 

وهذا المشهد يتكرر فى حى الموسكى وباب الشعرية فرغم قرار الحظر إلا أنه حبر على ورق فعربات الكارو فى ازدياد والوضع يزداد سوءا فى زحامه وتكدسه وكان اصحاب عربات الكارو يخرجون السنتهم لاجهزة المحافظة.

لعربجية يمتنعون
قوبلت المبادرة برفض شديد من معظم أصحاب عربات الكارو، الذين يطلق عليهم لفظ «العربجى»، فيقول «مصطفى» الذى يتجول على الطريق الدائرى باحثا عن أحد يناديه لحمل أشياء على عربته مقابل جنيهات بسيطة تمكنه من سد جوع أسرته التى تتكون من 4 أفراد بالإضافة إلى والدته وشقيقته الأرملة وأولادها «هناكل منين، هى مصدر رزق العيلة كلها ووارثها من أبويا ومعرفش أشتغل غيرها وأمى ست كبيرة وليها علاج ،وأنا شايف إننا مش بنضايق المارة ولا العربيات».

بسؤال «عم على السيد» أحد سائقى الكارو صاحب ال 60 عاما الذى يجوب بعربته حى الموسكى ويعول أسرة مكونة من 7 أفراد، عن عدم التزامهم بشوارع محددة ومازال الكارو موجودا بكثرة فى الشوارع الرئيسية قال:» عشان الشارع العمومى يعتبر هو مصدر رزقنا بنمشى ندور على حد ينادى علينا من أصحاب المحلات نيجى نرفعله حاجه، نشيل طوب، حدايد، بواقى تكسير أو بناء، مثلا ننقل كراتين» أما بخصوص المبادرة التى بدأ تنفيذها منذ نوفمبر 2016 ، التى تمنع «الكارو» واستبداله بتروسيكل بالتقسيط لتحسين الشكل العام ، لم يكن «السيد» على علم بها وبعد تعريفه بها سأل ساخرا: « إيه التروسيكل ده معرفوش، لو خدوها مننا هنشتغل إيه، أسرق عشان أأكل ولادى ولو اتسجنت مين هيصرف عليهم؟.

ثل السيد، لم يكن يعرف «الحاج نور الزغبى»، بائع الموز بحى شبرا، بهذا المشروع وبمجرد توضيحه له أكد أنه يرى عدم نجاحه، موضحاً أنه لا يملك ثمن الحمار والبالغ ثمنه 1500 جنيه ويقوم بسحب العربة بنفسه علما بقيامه بعملية قلب مفتوح ولا يسمح له بالمجهود الزائد إلا أن ضيق الحال يجبر أى شخص لعمل أكثر من ذلك.


ويعترف الزغبى أن هذه العربات ذات مظهر لا يليق بصورة مصر الحضارية وقد تسبب عرقلة المرور أحيانا، وبالتالى فإنه سيكون سعيدا فى حال تبديل عربته الكارو بأخرى مميكنة، ولكن ليس لدية القدرة المالية لتسديد الأقساط فما العمل إذن!


ومن جانبه يؤكد «سمير خيرى»، صاحب عربه كارو يحمل عليها كراتين ويتجول بحى دار السلام، أن الحكومه لا تنظر لهم ولا تبحث لهم عن حلول تساعدهم على تحمل المعيشة وزيادة الأسعار بين الحين والآخر، فبالتالى تصدر قوانين ومشروعات لا يوجد بها أى رحمة لهم.

 

القضاء عليها
وبالتوجه نحو المحلات المتضررة من تساقط المخلفات من العربات الكارو أثناء سيرها أمام هذه المحلات التقينا بـ«أحمد سمير» صاحب أحد محلات الملابس بحى الموسكى وبسؤاله عن رأيه فى هذه العربات قال: «المفروض يتم إزالتها بالكامل ، كلهم يمرون أمام المحل ولازم بعد مايمشى يترك العديد من المخلفات التى تتساقط ولا يكلف نفسه بإزالتها مرة أخرى أو نقل مخلفات البناء من طوب وأسمنت وحديد».


ويكشف «سليم فهمى» صاحب سيارة ملاكى، أن مثل هذه العربات بجانب تعطيل حركة السير فهى تعطى صورة سلبية عن مصر فهى مثال «للتخلف» على حد قوله، ويطالب الجهات المعنية بأخذ كافة الإجراءات الحاسمة بشأن القضاء على هذه المظاهر السيئة.


فيقول د. حمدى عرفة، خبير الإدارة المحلية واستشارى تطوير المناطق العشوائية، إن مبادرة «القاهرة بلا كارو» لم تعمم على كافة الاحياء فى القاهرة فهناك أحياء مثل المطرية والمرج والألف مسكن تنتشر بها العربات الكارو، لافتاً إلى أن الجهة المنوط بها السؤال عن مثل هذه العربات هى المحافظات، مشيراً إلى أن 98% من هذه العربات بدون تراخيص وقد تتسبب فى وقوع حوادث أحيانا نتيجة لضرب الحصان أو الحمار ضربا مبرحاً حتى يسرع.
ويطالب «عرفه «مديرية الطب البيطرى بالمحافظات المختلفة بالكشف بصفه دورية على هذه الدواب التى تجر العربات الكارو لترى هل هى قادرة على تحمل الأعباء أم لا.


ويرى د. حمدى عرفه أن من بين الحلول السليمة للحد من هذه الظاهرة تشكيل لجنة من كل محافظ بالتعاون مع مجلس النواب ووزارة التضامن الاجتماعى لبحث هذه الظاهرة وسبل حلها، إما من خلال تخصيص أماكن محددة تسير فيها وأخذ غرامة من كل من يخالف مع إصدار ترخيص لها من الإدارات المحلية أو استبدال هذه العربات بالتروسيكل مع إمكانية التقسيط دون فوائد «بسعر الكاش».


ويصف اللواء «محمد نور الدين»، مساعد وزير الداخلية الأسبق، العربات الكاروبصداع» فى حركة سير العملية المرورية منذ أيام الملك فؤاد، متذكرا ًعسكرى المرور قديما الذى كان يمسك «دونك» مصنوع من الكاوتش لعقاب «العربجي» الذى لم يلتزم بخط سيره حيث كانت ذات قيمة وخاصة فى نقل «عفش»العروس أو ما إلى ذلك لافتاً إلى وجود صورة تاريخية قديمة لميدان التحريرمكتوب فيها «موقف لاجل أرباب حمير»وذلك لاعتبار الحمار وسيلة للانتقال، ولكن حاليا ظهر العربات الربع والنصف نقل للقيام بهذه الأعمال.


حلول بديلة
ويقول اللواء «سعيد طعيمة» الخبير المرورى، وعضو لجنة النقل بمجلس النواب: لابد من مواكبة الدول الأوروبية المتقدمة فى إيجاد حلول بديلة لكافة الظواهر السلبية التى توجد فى المجتمع، فأى قضية توضع لها حلول بديلة يشهد لها بالنجاح، وعلى سبيل المثال لا يجوز مصادرة العربات الكارو بالقوة مما يؤدى لتحول أصحابها لمشردين فهى تعتبر مصدر الدخل الرئيسى لهم ولعائلاتهم.


ويوضح اللواء ابراهيم عبد الهادى نائب محافظ القاهرة للمنطقة الغربية أنه تم تكليف رؤساء الأحياء بتحديد أماكن تواجد وانتشار العربات الكارو داخل كل حى والتواصل مع أصحابها لبلورة مطالب واحتياجات كل منطقة بما يتلاءم مع طبيعة العمل، وتحديد كيفية استبدالها بتروسيكلات أو سيارات نقل حسب الاحتياج وطبيعة النشاط، بهدف نجاح تنفيذ.


وأضاف عز الدين فرغل رئيس الاتحاد الإقليمى للجمعيات الأهلية أنه تم حصر 8 أحياء ووصل عدد العربات الكارو بها إلى 400، ويجرى حصر الأحياء الأخرى، وأضاف أن هناك اجتماعا موسعا مع أصحابها الأسبوع المقبل لطرح المبادرة عليهم ومعرفة ردود أفعالهم والتوصل إلى حل يرضى جميع الأطراف، وأشار إلى أنه بالنسبة لأصحاب العربات الذين يحتاجون دورات لتعليم القيادة سيتم توفيرها.