حكايات| حموم الحناء والقفز في النيل.. عريس «من جهة صعيدية»

حموم الحناء والقفز في النيل.. عريس «من جهة صعيدية»
حموم الحناء والقفز في النيل.. عريس «من جهة صعيدية»

لا تزال محافظات الصعيد عامرة بتقاليدها الموروثة منذ فجر التاريخ، وإن اختلف في صحتها البعض، وسار آخرون على خطاها، إلا أن تأثيراتها تبقى خالدة على مر السنين.



مظاهر الاحتفال بالعرس والأفراح، هي الأكثر عرضة للنقد والاستغراب، بسبب عادة أو أكثر تعلقت بها في بعض قرى محافظات الصعيد، لاسيما في مركز إسنا بمحافظة الأقصر جنوب القاهرة، والتي اتخذت فيها ليلة الحناء شكلاً مخالفاً لما هو معروف في مثيلاتها بباقي قرى ومراكز المحافظات.



حمام الحناء

 

ويأتي اجتماع أهل العرس في ليلة الحناء عامرًا بطقوس موروثة عن الآباء والأجداد، أبرزها "حمام الحنة"، الذي يسبح فيه أهل العرس فيما يشبه نهرًا من الحناء، صب على رؤوسهم وملابسهم زاهية البياض.

 



وعرفت الحناء منذ القدم، فقد استعملها الفراعنة في أغراض شتى، إذ صنعوا من مسحوق أوراقها معجونًا لتخضيب الأيدي وصباغة الشعر وعلاج الجروح، كما وجد كثير من المومياوات الفرعونية مخضبة بالحناء، واتخذوا عطراً من أزهارها.



وللحناء نوع من القدسية عند كثير من الشعوب الإسلامية، إذ يستعملونها في التجميل بفضل صفاتها؛ فتخضب بمعجونها الأيدي والأقدام والشعر، كما تفرش بها القبور تحت الأموات وتستعمل في دباغة الجلود والصوف. 



طقوس ليلة الحناء

 

ولليلة الحناء في الأقصر، طابعًا خاصًا، ومشاهد عدة، أبرزها؛ أن العريس يغطى بالحناء، بمشاركة أصدقائه، ثم يغتسل بمياه النيل، وسط فرحة عارمة من الأهل والأقارب. 


 


ورغم أن هذه الطقوس التي تتسم بالغرابة، لا يعرف الأهالي مصدرها، إلا أنها شاهدة على ليلة الحناء للعريس، التي يجتمع فيها الأصدقاء بداخل المنزل وفي الساحة المخصصة لإقامة مراسم الحناء، و يرددون الأغاني، ويرقصون على أنغام الموسيقى، لمشاركة العريس الفرحة. 



تبدأ الاحتفالات بارتداء العريس جلبابًا أبيض اللون، ثم يتجمع أصدقاء العريس حوله ويبدأون تغطية جسده كاملا بالحناء من منبت شعره وحتى أخمص قدمه، وسط حالة من الفكاهة بين الأصدقاء الذين يتناوبون على تغطية بعضهم البعض بما تبقى من الحناء، أسوة بما فعلوه مع العريس، بعدها يسير العريس إلى جوار أصدقائه متجهًا إلى النيل لغسل آثار الحناء، ثم يعود إلى منزله. 


 

ليلة حزينة على العروس

 

يقول عاطف قناوي، باحث أثري، إن "ليلة الحنة" تختلف عاداتها من قرية لأخرى، وهي الليلة التي تسبق حفل الزفاف، لافتا إلى أنه في أغلب الأحيان قديمًا، كانت تؤخذ العروس بزفة إلى الحمام العمومي، المخصص للسيدات، وكانت قنا تحتضن إحداها ولكنه اندثر مع مرور الزمن. 


 


ويشير "قناوي"، إلى أن الحناء كانت قديمًا ليلة حزينة على العروس وأهلها، تتخللها الأناشيد والمواويل الحزينة؛ وعلى العكس تجد ليلة الحناء الآن مليئة بأجواء الفرح والسعادة والغناء والرقص، حتى أنها قد تتضمن وجود فرقة فنون شعبية خاصة بالفتيات في بعض الأحيان، لتأدية مجموعة من الرقصات والعروض الشعبية وسط الأهازيج والأغاني العربية القديمة، التي تنسجم مع ألحان دق الطبول وزغاريد النساء، بأجواء تتسم بالبهجة والسرور.

 

«الفراعنة» الأصل

 

وتؤكد المراجع التاريخية، أن المصريين القدماء هم أول من استخدموا الحناء، حيث تم العثور عليها على أيدي المومياوات المصرية التي يعود تاريخها إلى عام 5000 قبل الميلاد، إذ كان يسود الاعتقاد بأن وضع الحِنَّة على الأيدي والأقدام يحفظها من الشر.

 


 

أما في الهند، فقد كانت بداية استخدام الحِنَّة في المناطق الشمالية خلال القرن الثاني عشر الميلادي، عندما أدخلها المغول إلى الهند، غير أنها أصبحت أكثر انتشارًا عندما بدأت النساء تعتمد في رسوم الحِنَّة على نقوش من التراث، بما في ذلك الحكايات الشعبية والأساطير الفلكلورية، وباعتبارها رمزًا للرفاء وحسن الطالع، لا تزال الحناء تلعب دورًا رئيسيًا في المجتمع الشرقي الحديث، وخاصة أثناء المناسبات المهمة مثل احتفالات الزفاف.