إنها مصر

الإعلام زمان.. والآن !

كرم جبر
كرم جبر

فى الستينيات كان التليفزيون عبارة عن القناة الأولى والثانية فقط، والإرسال من الثانية أو الخامسة مساءً حتى منتصف الليل، والراديو لا يوجد إلا فى قليل من البيوت، وعندما دخل التليفزيون لأول مرة، كان الناس يذهبون لمشاهدته فى الميادين، حيث حرصت الدولة على عرض تليفزيون فى الشارع.
كان أعلى برنامج للأطفال هو «الساحر الصغير»، «خلاص خلص حكايته وراح عشان ينام» فى السابعة مساءً، ويلتزم الأطفال بالنوم مبكراً، مثلما يفعل الساحر الصغير، ثم جاء بعده «فرافيرو»، فقلده بعض الأطفال، بالقفز من أسطح المنازل.
الآن الطفل يمسك الببرونة بيد وبالأخرى الموبايل، يلعب فيه كالجن، ويضحك ويبتسم ويغضب حسب البرنامج الذى يتابعه، ولا تستطيع الأم أن تنتزعه منه.
بكرة.. القادم أكثر ذهولاً فى مجال الاتصالات، ولن يصبح العالم قرية صغيرة كما يقولون، بل على موجة واحدة، توحد العادات والتقاليد والطباع والأطعمة، والفكر والوعى والمحتوى العقلي.
العالم الجديد بعد ثورة الاتصالات يخرج عن كل القواعد والنظم والضوابط المعمول بها فى كل دول العالم، وسيؤدى مثل كل العشوائيات إلى كوارث، تجبر الدول على التدخل واستعادة الهيمنة وضبط الانفلات.
الأزمة ليست محلية، والتركيز على أن الإعلام فى مصر «ضعيف ومغيب وغير فعال»، لا يضع فى اعتباره كثيرا من الحقائق:
أولاً: نحن فى عصر انحسار الصحف الورقية، والمشهد الحزين هو محررو صحيفة «ليكو» الفرنسية التى كانت تصدر فى 5 مقاطعات بوسط فرنسا منذ عام 1943، يحملون نعشاً عليه ماكيت كبير لصحيفتهم، وهم يشيعونها إلى مثواها الأخير، ونفس الطوفان يجتاح الصحف الورقية فى الشرق والغرب، من أمريكا حتى الخليج، «اقفل.. سرَّح»، الإليكترونى هو الحل وهكذا.
ثانياً: انخفاض نسب المشاهدة يلاحق الفضائيات، وستلقى نفس مصير الصحف الورقية، وتعانى البرامج الآن من نفس مشاكل التكرار وضعف المحتوى وانخفاض إيرادات الإعلانات وغيرها.. والقادم أسوأ.
ثالثاً: المستقبل للموبايل حتى إشعار آخر، وسيحل محل الورقى والشاشات، والمتوقع أن تظهر تقنيات مذهلة تعالج صغر مساحة الشاشة.
>>>
التكنولوجيا إذا طرقت الأبواب، يكون الإعلام هو أول من تصادفه، والأكثر والأسرع تأثيراً، ومن لا يلحق الركب حتى فى العربة الأخيرة، يكون مصيره الاختفاء.
قضية تحديث الإعلام وفقاً لذلك لها جانبان:
● الأول: تكنولوجي، يتعلق بدخول العالم الجديد للثورة الرابعة وملاحقة أفكارها وأدواتها وتوفير الإمكانيات والتدريب.
● الثاني: المحتوى، ويتصل بالحريات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، ومدى قدرة المجتمع على توسيع أطر الممارسة، وعلاج الأزمات والتحديات بوسائل ديمقراطية.
نقطة الضوء البارزة، هى أن مصر والإعلام المصرى يمتلك الأدوات والخبرات والمهارات، والمؤشرات تشير إلى أنه لن يتأخر عن الركب.
«وللحديث بقية»

 

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي