من وراء النافذة

الخير فى المواسير!!!!

هالة العيسوى
هالة العيسوى

لو لم نسمع بآذاننا ونرى بأعيننا لما صدقنا ما جاء فى فيديو مواسير البنزين أثناء حريق إيتاى البارود من دعوة أحد الأشخاص للناس بالإسراع لملء الجراكن لأن سبحان الله أول مرة نشوف المواسير بتطلع "خير كتير وبتنزل بنزين"! وفى ثوان يتكالب الناس ويتجمهرون بأوانى المنازل للاغتراف من نهر البنزين المنهمر بلا صاحب!
هل وصل الطمع مداه بالناس إلى هذا الحد؟ هل استبدت غريزة السرقة ونشطت غدد نهب المال السايب عند الناس إلى هذا المستوى الخطير؟ وكيف يتحول الحرام البيّن فى لحظة إلى خير حلال أرسلته السماء؟
تصريحات المسئولين تؤكد أن خط البنزين مدفون على عمق متر ونصف المتر تحت الأرض، والتقارير الصحفية تقول إن الأرض ملك أحد المواطنين قام بالحفر وكسر الماسورة وتركيب صمام ليغرف منه متى شاء لكن خطأ فنياً أدى إلى تسرب البنزين وانهماره بهذا الشكل الخطير. ويقول شهود العيان إن التسرب أو الانهمار ظل متواصلا طيلة نهار دون تحرك من الأجهزة المعنية حتى اندلع الحريق بسبب قيام أحد المواطنين اللامبالين بإلقاء سيجارة مشتعلة.
أهو الجهل.. أم الفقر.. أم كلاها معاً؟ أم لعله البؤس والإحباط؟.
لن أناقش السلوك الإجرامى المعيب للمواطن سارق البنزين فهو مسألة تتعلق بالقيم الأخلاقية التى تربى عليها وطريقة التنشئة لاسيما والتقارير لم توضح مستواه التعليمى لعله اعتبر أن ماسورة البنزيين شأنها شأن الآثار المدفونة تحت الأرض وأن بإمكانه استخراجها والإتجار فيها بعيدا عن عيون القانون. ولن أناقش سلوك المواطن الآخر المتسبب فى الحريق لأنها أيضاً مسألة تتعلق بمستوى وعيه وإدراكه العام وإن كان السلوكين يحتمان علينا إجراء دراسة سلوكية مجتمعية معمقة للوصول إلى دوافعهما الحقيقية وطرق تجنب مثل تلك السلوكيات فى المستقبل شأنهما فى ذلك شأن سلوكيات إلقاء المخلفات فى النهر أو استخدام مواقد الغاز فى عربات القطار وكل ما له علاقة بالسلوكيات الهمجية المخاصمة للحضارة.
هنا لابد من الإشارة إلى ضرورة عودة الدور التربوى والتوعوى إلى مدارسنا، وعودة الدور المجتمعى إلى جامعاتنا ومساجدنا وكنائسنا، وضرورة وضع تلك السلوكيات وغيرها مثل سلوكيات القيادة ومرور المشاة وأساليب الإسعافات الأولية وتجنب المخاطر ضمن المناهج الدراسية.
لكن السؤال المؤرق لو صحت المعلومات الواردة فى التقارير الصحفية أو لعلها بضعة أسئلة تتناول الأداء الحكومى هى: منذ متى يتم مد مواسير بنية تحتية مملوكة للدولة ومقامة للمنفعة العامة فى أراض من الممتلكات الخاصة؟ وهل يمكن مثلا مد مواسير صرف صحى أو أسلاك كهرباء او تليفونات أو تسيير قطار فى ملكيات خاصة؟
وأين معايير السلامة والأمان فى الحفاظ على هذه الثروة البترولية الممتدة فى أراضى المحافظات وتخترق أماكن مأهولة بالسكان؟ ثم أين إجراءات المراقبة والتفتيش والمتابعة لهذه المنشآت والإمدادات الاستراتيجية؟ وكيف لم تتحرك أجهزة التأمين أو الإطفاء التابعة لوزارة البترول أو حتى التابعة لوزارة الداخلية إلا بعد وقوع الكارثة؟ ومن المسئول عن هذا الإهمال؟.