صدى الصوت

اختطاف الأدمغة!

عمرو الديب
عمرو الديب

إنها جريمة العصر، بل جريمة كل العصور، ولا نعرف شبيها لها فى بشاعتها، بين أشنع الجرائم، فجريمة اختطاف الأدمغة، وغسيل العقول تمهيدا للسيطرة عليها وتوجيهها حيث شاءت إرادة المختطفين لم تر البشرية مثيلا لها فى حقارتها وانحطاطها وقبحها، وقد نشطت تلك الجريمة الشنعاء فى العقود الأخيرة على متن ألوان من الحروب، تخلت عن أية علائق لها بالشرف والشجاعة والمواجهة فى ميادين القتال، واحترفت التسلل فى الفراغ، والتمدد فى الظلمة، لتوقع بضحاياها من السذج والغافلين، وخاصة من الناشئة وذوى السنين الغضة، وقد استطاعت مخططات المختطفين توظيف التقنيات المتفوقة والوسائط الحديثة بصورة لافتة فى تنفيذ أغراضها الدنيئة، وأهدافها الجشعة لإلتهام الأوطان العريقة، وابتلاع مقدرات الشعوب الأصيلة، وللأسف ساعد الفراغ الخطير الهائل الذى تشهده ساحاتنا الثقافية العربية منذ عقود هؤلاء على تنفيذ مهامهم فى اختطاف أدمغة الملايين من الناشئة والصاعدين والسطو على وجدانهم، وإيغار صدورهم على بلدانهم، بحيث تمكنوا - بما يشبه السحر - من اجتياح قطاعات عريضة وشرائح سنية عديدة، وأسرهم فى شباكهم من دون إطلاق رصاصة واحدة، وبطريقة ناعمة، ووسائل ملساء تجذب الخطى إليها، ثم تنقض على ضحياها لتحتجزهم فى شباك من الحرير، وللأسف يحدث ذلك، منذ عقود، وترتكب تلك الجريمة الشنعاء فى حق الأوطان باستلاب أبنائها، وتحويلهم إلى أعداء لها، وبعض مؤسساتنا الثقافية القومية مشغولة بتلميع وجوه كاذبة، من أهل السبوبة فى عالم الثقافة والأدب، متخلية عن أدوارها الحقيقية فى ملء الفراغ الهائل والخطير، وسد الفجوات المخيفة فى العقول والأفئدة، وبناء الجسور الناعمة مع أذهان ووجدان الناشئة والشبان، بدلا من سد الخانات بالأنشطة الوهمية، والفعاليات السطحية، وتبديد الميزانيات فى صرف المكافآت للمرتزقة من أهل السبوبة فى عالم الثقافة والصحافة والأدب، وقد آن لنا أن نتصدى إلى أخطر جريمة فى عصرنا وفى كل عصر!