وحى القلم

بيوتنا جزر منعزلة

صالح الصالحى
صالح الصالحى

ماذا أصاب بيوتنا؟.. هل أصبحنا جزراً منعزلة داخل البيت الواحد؟
أعلم أن هذا الحديث ليس بالجديد فالكل يتحدث  ليل نهار عن مساوئ وسائل التواصل الاجتماعي.. هذه الوسائل التى حرمت البيت المصرى من ميزة الترابط والدفء الأسرى.. هذه الوسائل جعلتنا لا نلتقى مع بعض حتى داخل البيت الواحد.. وإذا جلسنا نجلس صامتين كل فى يده هاتفه الذكى يتابع من خلاله حسابه على الفيس بوك أو تويتر أو الانستجرام أو أى شيء من هذا القبيل.
مزقتنا التكنولوجيا.. ولم نأخذ منها سوى أسوئها فى ظل غياب المدرسة وانشغال الآباء عن أبنائهم.
حادثة غريبة من نوعها.. شاب يشنق نفسه داخل غرفته وشقيقه المتواجد معه فى نفس المنزل لا يعلم إلا بعد وصول أصدقاء شقيقه ليبلغوه شقيقك يشنق نفسه الآن.. وأنهم علموا من خلال فيديو بثه يصور عملية انتحاره.
لهذه الدرجة أصبحنا لا نعلم  عن أقرب الأقربين منا أى شىء.. ولا نهتم بأوجاعنا وآلامنا؟.
فى الماضى كان الجيران يتواصلون ويتراحمون.. وكل الأسر حريصة على السؤال وتقديم العون والمساعدة.. لكن الآن أصبحنا غرباء عن بعض داخل البيت الواحد.
كيف لأخ لم يلمح اكتئاب أخيه وتدهور حالته النفسية التى دفعته للانتحار؟.
ما الذى وصل بنا لهذه الدرجة؟.. ما يمر به المجتمع الآن من حالة السقوط فى هوة الغربة والانعزال الذى أصاب كل فرد وأبعده عن الآخر، أمر غريب علينا لم نعتده من قبل.
وفى تقديرى أن وسائل التواصل وجد فيها كل شخص عالمه الافتراضي.. وأصبح يتحدث ويعلق ويعلم من الأخبار بلا حدود أو قيود.. فخلقت نوعا من الحرية الفوضوية التى يسعى إليها بعض الأشخاص.. وهى فى نفس الوقت ممكن أن تسلب الانسان طاقته الايجابية الداعمة له لأنه يفرح بالحرية فيتوه فى متاهات لا يستطيع أن يجابهها فيسقط فى هوة عميقة بعد ما رفعت سقف طموحاته ورغباته فى ظل امكانياته المحدودة.
المفروض ان هذا الشاب سائق توك توك.. يعنى لديه مهنة أو باب رزق.. وليس من العاطلين.. وان كان دخله محدودا.. لكن فكرة انتحاره عبر البث المباشر أمر مثير للدهشة.. ماذا يفيده تصوير فيلم عن انتحاره؟. وما هى الرسالة التى يريد أن يبعثها شخص سئم الحياة وقرر الرحيل عنها؟
الكل أصبح مهووسا بتصوير الفيديوهات والسيلفى سواء فى المصائب أو الافراح.. إذا كنا نحتفظ بالذكريات الجميلة فلماذا نحتفظ بالذكريات المؤلمة.. وما الهدف من وراء ذلك؟.. هل اننا أصبحنا بلا مشاعر؟ الفرح والحزن أصبحا لدينا سواء.. لا نتعاطف مع بعضنا البعض.. فالكل سواء لدينا.. ماذا حدث لنا؟ انشغلنا عن أبنائنا وغابت المدارس تماما عن المشهد.. فلم يعد هناك تربية وتعليم وتركنا ابناءنا لوسائل التواصل لتربيتهم.. لماذا لا نتعلم من تجربة الصين التى اغلقت على نفسها وصنعت فيس بوك خاصا بها لتحافظ على ابنائها لأنها ادركت خطورته.
لا أقول اننا نستطيع اغلاق وسائل التواصل الاجتماعى أو السماوات المفتوحة.. لكن علينا أن نعود لأبنائنا وإلا سنفقد مستقبلنا.